إيلاف من بيروت: في مشهد غير مسبوق، ظهر أحمد الشرع، المعروف بلقب "الجولاني"، رئيس هيئة تحرير الشام، مرتديًا بدلة رسمية وربطة عنق لاستقبال وفد درزي رفيع المستوى برئاسة وليد جنبلاط، الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي. اللقاء الذي جرى في دمشق يُعد الأول من نوعه بين الشرع وزعيم سياسي لبناني منذ سقوط نظام الأسد.

زيارة تاريخية بعد أكثر من عقد
توجّه وليد جنبلاط إلى دمشق للمرة الأولى منذ أكثر من 13 عامًا، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي أبي المنى، ووفد كبير من نواب كتلة "اللقاء الديمقراطي" وعدد من المشايخ.
هذا اللقاء يحمل أهمية رمزية كونه يأتي في وقت تغيّرت فيه خارطة القوى في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024، ويُعد خطوة جريئة نحو صياغة علاقات جديدة بين لبنان وسوريا.

سوريا الجديدة: الإطاحة بنظام الأسد وإعادة ترتيب الأوراق
منذ 8 كانون الأول (ديسمبر)، عندما سيطرت المعارضة المسلحة على دمشق والمدن الرئيسية، شهدت سوريا تحولات كبرى. بشار الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لعقود، فرّ إلى موسكو تاركًا البلاد في حالة انتقال سياسي. أحمد الشرع، الذي كان قائدًا عسكريًا بارزًا في المعارضة، برز كرئيس لهيئة تحرير الشام ووجه سياسي جديد في سوريا.
الزيارة إلى دمشق جاءت بعد فترة طويلة من التوتر بين جنبلاط والنظام السوري السابق، الذي اتُهم باغتيال والده، كمال جنبلاط، في 1977، وتسبب في توترات طويلة الأمد بين الزعيم الدرزي والنظام البائد.

تحولات درزية بين لبنان وسوريا
الطائفة الدرزية، التي تلعب دورًا محوريًا في السياسة اللبنانية والسورية، تجد نفسها أمام تحديات جديدة بعد الإطاحة بالنظام السوري. يُقدر عدد الدروز في لبنان بـ 250 ألفًا، فيما يبلغ عددهم في سوريا حوالي نصف مليون، يعيش معظمهم في مناطق الجنوب مثل السويداء والقنيطرة. زيارة جنبلاط تمثل محاولة لرأب الصدع وتعزيز التعاون بين دروز لبنان وسوريا في ظل التحولات الكبرى.

أبعاد سياسية ودلالات رمزية
اللقاء بين جنبلاط والشرع يمثل تقاربًا غير مسبوق بين القوى اللبنانية والسورية الجديدة. أحمد الشرع، الذي كان زعيمًا عسكريًا في السابق، يسعى لإظهار نفسه كشخصية سياسية تجمع بين الواقعية والرمزية في سوريا الجديدة. ظهوره ببدلة رسمية وربطة عنق يرمز إلى انتقاله من قائد ميداني إلى رجل دولة.

جنبلاط ومسيرة المواقف المتقلبة تجاه سوريا
جنبلاط، الذي عرف بمواقفه المتغيرة تجاه سوريا، دخل مرحلة جديدة من العلاقات مع دمشق. في 2012، شنّ جنبلاط هجومًا حادًا على نظام الأسد، منتقدًا استفتاءاته وواصفًا إياها بـ"البدعة فوق بحور الدماء". تلك المواقف الحادة، التي جعلت منه أحد أبرز المنتقدين للنظام السوري، لم تمنعه من إعادة ترتيب علاقاته مع دمشق بعد سقوط النظام.

آفاق العلاقات بين لبنان وسوريا
زيارة جنبلاط قد تكون بداية لتقارب أوسع بين لبنان وسوريا في الحقبة الجديدة. رغم التوترات التاريخية، يبدو أن سقوط الأسد أزال العقبات أمام تعاون جديد. يبقى السؤال حول مدى قدرة القوى السياسية في البلدين على بناء شراكة قائمة على المصالح المشتركة بعيدًا عن إرث النظام السابق.