في كوردستان، تتبادر إلى الأذهان جملة أسئلة تتعلق بنوايا وأجندات من نسميهم (إخوان أو شركاء) في بغداد، وأسباب تعرض منظومة القيم لديهم للاندثار والتآكل المستمرين، ونقص الوعي الوطني والشعور بالمسؤولية، وتفشي الاختلالات النفسية التي تنذر بخروج السلوكيات عن السيطرة.

للأسف، الكثير منهم، في مفاصل سياسية وإدارية واقتصادية وأمنية وعسكرية وثقافية وإعلامية، ما زال في صدورهم الكثير من المكبوت الرهيب تجاه الكورد. في عقولهم وأفكارهم ووعيهم وأخلاقهم ثغرات تدفعهم نحو التفكير كما فكر الذين لم يتركوا للكورد جنباً دون جراح ولا خاصرة دون طعنات. يحاولون عبر ممارسات التضليل والمراوغة وعمليات سلوكية غريبة عن القيم والأعراف المجتمعية اتهام الكورد بشتى التهم والطعن في تطلعاتهم المشروعة وحقوقهم الدستورية تارة، والاستعلاء عليهم ومحاصرتهم وتجويعهم تارة أخرى، ومحاولة عرقلة مشاريعهم السياسية والوطنية والقومية بشكل دائم.

البعض منهم وصل بهم الوقاحة وقلة الضمير إلى تمجيد البعث وموبقاته، وما اقترفه من جرائم تندى لها جبين الإنسانية تجاه الكورد. يحملون شعاراته المسكونة بالتطرف، متناسين أن الكورد لم يأتوا من بلاد يأجوج ومأجوج، وأن البعث استخدم السلاح الكيمياوي في قتلهم وكان رمزاً للإجرام، مختزلاً الوطنية والعروبة والإسلام في سلوك حاقد متخلّف بعيد عن القيم والمبادئ الثورية والقومية والدينية والإنسانية. كما ينسون ويتناسون ما فعله الغيارى الكورد وعقلاؤهم في منع أجيالهم، رغم الممارسات البشعة تجاههم، من الانزلاق نحو شوفينية كوردية ضارة، وبحثهم المستمر عن علامات المروءة والسماحة والمشتركات العميقة بينهم وبين الآخرين.

هؤلاء الناسون، الجمّاعون للفكر العفن، يحاولون اليوم، بالهمس أحياناً وبالعلن أحياناً أخرى، وبالتجويع ومنع صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين بأعذار وحجج واهية، إخضاع البسطاء والاستقواء بكل شيء لتدمير الإجماع الكوردستاني، وإعاقة البناء والتطور في إقليمهم، وتفريغه من كفاءاته، وتحويله إلى رديف لمدن وسط وجنوب العراق التي تعاني من الإهمال والفساد. ويفكرون في وسيلة لتكرار الأنفال.

إقرأ أيضاً: أولويات البارتي وازدواجيات الآخرين

نقول لهؤلاء: لقد أنفل من سبقكم مئة وثمانين ألف كوردي، وأباد خمسة آلاف آخرين في حلبجة بالسلاح الكيمياوي، ودفن ثمانية آلاف إنسان من البارزانيين في مقابر جماعية، ودمّر أربعة آلاف وخمسمائة قرية كوردية آمنة، وجرف البساتين والمزارع، وحفر الخنادق العازلة حول المدن والقصبات الكوردستانية، ورحّل عشرات الآلاف إلى وسط وجنوب العراق، وأسكن مئات الآلاف من المهجّرين والمرحلين في مجمعات سكنية قسرية، ومارس التعريب والترهيب والتهجير. ولكنه لم يفلح في إلغاء الكورد لمصلحة غيرهم، ولم ينجح في منع الكوردستانيين من إشهار كورديتهم الصافية والنهوض من ماضيهم إلى حاضرهم ومستقبلهم. كما لم يستطع منع المناضلين الكوردستانيين، أياً كانت مواقعهم الحزبية أو العسكرية أو الفكرية، من العطاء وتسطير المفاخر والبحث عن الحرية بقوة السلاح وشجاعة الكلمة والحكمة والصبر على الأذى، والسعي لبناء السلام والأمن والاستقرار، ومقارعة الاستبداد.

ونقول لهم: اتركوا ضخ سمومكم الفكرية الهدامة والتفكير في عمليات أنفال جديدة، وابحثوا بالمنطق عن البدائل الواقعية والخيارات المتاحة.