منذ استقلال الدول العربية الشكلي، وخروج الاستعمار من الباب؛ ليدخل إلينا من الشباك مرة أخرى، لم تحصل تلك الدول على أسلحة متطورة تتماهى مع الأسلحة الموجودة لدى الأعداء من قوى الاستكبار والاستعمار، أو الدول المعادية من العالم الثالث إلا بحالات محددة واستثنائية وتحت سيطرة وإشراف الدول الكبرى؛ إذ استوردت تلك الحكومات، فضلًا عن قوى المعارضة، مختلف الأسلحة (الخردة) والمستعملة والرديئة والذخيرة الفاسدة أو غير الجيدة، بل إنَّ البعض منها يعود للحرب العالمية الأولى والثانية، تارة بصفقات مجحفة، وأخرى عن طريق السوق السوداء والمافيات الدولية. ضربت القوى الدولية والأنظمة الغربية أكثر من عصفور بحجر واحد؛ إذ تخلّصت من الأسلحة العتيقة، التي قد تتسبب بأضرار بيئية، وتدفقت تريليونات الدولارات إلى شركات السلاح والمافيات والأنظمة الاستكبارية والحكومات الاستعمارية، وحجّمت من قدرة تلك الدول على المواجهة والمقاومة ومقارعة الأعداء. ومن الدلائل على ما ذهبنا إليه: حروب الدول العربية وحركات المقاومة مع إسرائيل وطوال 70 عامًا تقريبًا.

وعندما زُوِّد شاه إيران بأسلحة متطورة نوعًا ما، وقامت بتجهيز العراق بأسلحة مماثلة، إلا أنها لا تصل إلى مستوى فعالية الأسلحة الشرقية الفتاكة أو الغربية المتطورة وقتذاك، زُجَّ بهما معًا في حرب طاحنة استمرت 8 سنوات، بحيث تحوّلت تلك الأسلحة إلى آليات متهالكة، ومع ذلك تم القضاء عليها فيما بعد من خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 والثالثة 2003؛ بحيث لم يتبقَّ من تلك الترسانة والذخيرة سوى (السكراب) والخراب والديناميت. ولعل صفقة الطائرات الأميركية إلى العراق، وإلزام العراق بالشروط التعجيزية فيما يخص الصفقة؛ ففضلًا عن المبالغ الطائلة، لا يُسمح للعراق باستخدام الطائرات إلا بموافقة أميركية، بالإضافة إلى التحكم بذخيرة الطائرات وصيانتها… إلخ، دليل دامغ آخر على ما ذكرناه آنفًا. ولا أجد مثلًا ينطبق على ما نحن فيه أكثر من المثل الشعبي القائل: "اسمك بالحصاد ومنجلك مكسور".

وقد قبلت الأنظمة العربية، وكذلك فلول المعارضين والمتمردين، بهذه الأسلحة المستعملة والرديئة التي تُعتبر من فضلات الدول المتقدمة وفتات الحروب العالمية وغيرها، لاسيما أنها تؤدي الغرض فيما إذا تعلق الأمر بقمع انتفاضات الشعوب وثورات الجماهير والمكونات المحلية، أو إذا انحصر الأمر في اندلاع الحرب بين دولتين متخلفتين أو جارتين وتنتميان إلى نفس الديانة أو القومية. إلا أن دول الاستكبار والاستعمار لم تقبل بذلك فيما بعد، وكما قال المثل الشعبي: "رضيت بالضيم والضيم ما رضى بيه"، بحيث أوصلت الجيوش العربية والأفريقية وغيرها، فضلًا عن حركات التحرر والمقاومة وفصائل التمرد والمعارضة، إلى حالة يُرثى لها بل تثير الضحك والسخرية؛ إذ جار الزمان وجار، حتى رأينا الجنود وعناصر المعارضة وهم جياع وملابسهم رثّة وتجهيزاتهم بائسة أو اعتيادية. بل الأدهى والأمر أن الإرهابيين أحيانًا يتفوقون على الجيش ببعض المميزات العسكرية والأمنية واللوجستية، وراح البعض من الجنود يتسولون أجرة الذهاب إلى الوحدات العسكرية، بينما يعتاش الضباط على الرشوة والسرقة والفساد والصفقات المشبوهة والأعمال غير القانونية، التي قد تهدد الأمن الاقتصادي والعسكري للبلد أحيانًا، ناهيك عن العمالة والخيانة واختراق الكل من قبل الكل؛ إذ أضحى الجميع مخترقين من قبل الأعداء والأصدقاء على حد سواء. وصار أغلب العناصر المسلحة من الجيش والمعارضة وغيرهما من الأشخاص الذين يفتقرون للياقة البدنية والحس الأمني والتدريب العسكري العالي؛ إذ أصبحنا نشاهد الجنرالات وقد تدلت بطونهم وبرزت كروشهم وتعثرت خطواتهم، فضلًا عن الجنود والعناصر المسلحة التي تعلو وجوههم الغبرة ويظهر عليهم التعب والإنهاك والبؤس والاضطراب.

إقرأ أيضاً: نواب في البرلمان العراقي ولكنهم يمثلون الأجانب؟!‎

وما عشتَ أراك الدهر عجبًا؛ فقد كان يتبادر إلى أذهاننا عندما نسمع بالانقلابات أو سقوط المدن والاجتياحات واندلاع الحروب والمعارك والمواجهات، أصوات الراجمات والطائرات وجلبة المدرعات والدبابات ودوي القنابل والمدافع والجيوش الجرارة والجحافل العظيمة. أما الآن فنحن نفاجأ بسقوط الدول والأنظمة بأيادي شراذم الآفاق وشذاذ الناس من أصحاب اللحى الوسخة والتصرفات الشاذة والسلوكيات المضطربة والملابس الرثّة والأجساد العفنة؛ وهم يهللون كالنساء، ويصفقون ويرقصون كالصبيان، ويكبرون كالمجانين، ويلتقطون الصور كمشاهير الإعلام والسينما، ويدخلون المدن بسيارات الحمل (بيك آب والكيا وغيرهما). فبعد أن كانت تلك السيارات تُستخدم لبيع الرقي والخضراوات، وكان مكانها الطبيعي في (العلوة والشورجة)، أضحت معدات حربية وآليات عسكرية بمجرد وضع المدفع الرشاش فوقها (تحوير). وجل المعارك الآن تجري بالرشاش الكلاشينكوف وغيره، والقاذفات المحمولة والطائرات المسيرة، الشبيهة بتلك التي تُصور مناسبات الأعراس والمآتم. حتى الصواريخ التي تُستخدم في تلك المعارك أشبه بالأنابيب الحديدية (البواري) المستخدمة في صناعة السخانات، إذ لو أُطلقت مئة صاروخ منها لما قتلت عشرة أفراد من الأعداء. وعندما نقارن بين هذه المشاهد البائسة والمضحكة لهذه السيناريوهات والمسرحيات وبين أسلحة الدول المتطورة والجيوش العالمية القوية، نصاب بالإحباط ونشعر بأننا نعيش في حقبة زمنية لا تربطها بالقرن الواحد والعشرين أيّة صلة.