ربما يكون من المبكر إصدار أحكام قطعية بأن النظام السوري على وشك السقوط أو في طور النهاية. سياسيًا، هذا الحكم يبدو غير منطقي حاليًا. ومع ذلك، ما يمكن تأكيده هو أن تركيا تملك الكلمة الفصل في أي تقدم تحققه "هيئة تحرير الشام" أو الفصائل الأخرى المسماة جدلًا بـ"الجيش السوري الحر"، سواء في مناطق النظام أو في عملياتها ضد قوات قسد والإدارة الذاتية. بمعنى آخر، تركيا دفعت بهذه الفصائل المعارضة للسير في مسارين منفصلين: الأول كرد فعل على رفض بشار الأسد زيارة رجب طيب أردوغان، الذي اعتبرها إهانة شخصية، والثاني تحقيق هدفها الدائم والمعلن، وهو القضاء على الإدارة الذاتية بأي وسيلة كانت، والحد من الصعود الكوردي بأي وجه كان.

توسع العمليات العسكرية واستيلاء فصائل المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" على مساحات واسعة من سوريا، بما في ذلك تجاوز مدينة حلب وحماة والتوجه نحو حمص، ولربما دمشق لاحقًا، يمثل نقطة تحول مصيرية ليس فقط للنظام السوري، بل للطائفة العلوية. هذه الطائفة بدأت تشعر برعب متزايد من الانتصارات التي تحققها "هيئة تحرير الشام"، وهي انتصارات تتقاطع مع مصير الطائفة ذاتها، والتي على الأرجح ستحارب بضراوة دفاعًا عن مناطقها بعدما يكونوا قد خسروا السلطة، لأنهم يدركون أن مصيرهم سيكون قاتمًا ومأساويًا إذا استولت المنظمات التكفيرية السنية على محافظتي طرطوس واللاذقية. التصريحات المطمئنة من أي جهة لن تكون كافية لإقناعهم بأنهم سيكونون بأمان.

هذا التطور دفع روسيا إلى تنفيذ ضربات جوية مكثفة لدعم قوات النظام واستعادة السيطرة على المناطق المفقودة. وربما تتوسع العمليات الروسية انطلاقًا من بُعدين رئيسيين: الأول، حماية الأقلية العلوية التي ترتبط مصالحها بوجود النظام، والثاني، الحفاظ على قواعدها العسكرية في الساحل السوري، ولا سيما على البحر الأبيض المتوسط، ويعد هذا مسألة استراتيجية بالنسبة لصراعها مع الناتو وأميركا حصراً.

تجاوز "هيئة تحرير الشام" بأوامر تركية للخطوط المتفق عليها مع روسيا يبدو أنه تم بمؤامرة أميركيَّة - تركيَّة تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة: أولها القضاء على الميليشيات الإيرانية المتوغلة في سوريا، وثانيها إزالة نظام بشار الأسد. بعد هذه الخطوة، يُتوقع أن يتم التعامل مع "هيئة تحرير الشام" نفسها عبر وسائل متنوعة قد لا تكون عسكرية فقط.

تصريح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن موسكو تعتبر الهجوم على حلب انتهاكًا لسيادة سوريا، كان بمثابة رسالة عتب أو ربما تهديد مبطن لتركيا على خرقها لقرارات أستانة والاتفاقية الأخيرة بينهما، وعلى ما تم إبلاغ بشار الأسد به مسبقًا. ومع ذلك، فإن الحديث اليوم لم يعد عن حلب أو حماة فقط، بل انتقل إلى حمص ودمشق ومصير النظام، وما يمكن أن تكون عليه سوريا بعد إزالة الدكتاتورية ونظام غارق في الإجرام، واحتمال انتقالها إلى منظومة غارقة في التكفير والإرهاب والراديكالية الإسلاموية.

في هذا السياق، تبدو دعوة روسيا إلى استعادة النظام الدستوري في سوريا في أقرب وقت ممكن، بدون دعم عسكري فعلي، مجرد كلمات فارغة لا تحمل وزنًا سياسيًا حقيقيًا، خاصة أن موسكو تدرك أن وجودها في سوريا أصبح على المحك. وبعدما كانت روسيا تخطط بالتعاون مع تركيا لطرد القوات الأميركية من غربي كوردستان، أصبحت هي اليوم الجهة التي تواجه تهديدًا مباشرًا بالجلاء عن سوريا.

من المنظور العسكري، إذا استمر تأثير الجيش الروسي مقتصرًا على الضربات الجوية دون دعم ميداني فعال من الميليشيات الإيرانية، فإن تدريباته العسكرية في شرق البحر المتوسط وإطلاق الصواريخ عالية الدقة ستبدو مجرد استعراض للقوة، لا يكفي لتقديم دعم حقيقي ومستدام لحليفه السوري.

إقرأ أيضاً: أردوغان والعباءة المزيفة: لعبة المصالح وخيانة الحلفاء

علماً أن سوريا بالنسبة لروسيا تمثل الجبهة الثانية بعد أوكرانيا في مواجهتها مع الولايات المتحدة، على الأقل من الناحية السياسية. لذلك، من غير المرجح أن تسمح موسكو بانهيار النظام بشكل كامل. على الأقل، ستعمل على الحفاظ على مناطق العلويين ومنع انتصار شامل لهيئة تحرير الشام في المعركة الحالية. فمن المتوقع أن نشهد تدخلًا روسيًا أكثر اتساعًا، يهدف إلى تمكين النظام من استعادة السيطرة على بعض المناطق التي فقدها أو وقف زحف المنظمات المعارضة. أي عمليًا، لا يزال مستقبل بشار الأسد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالدعم الروسي مع غياب الدعم العسكري الإيراني.

إيران، الحليف الاستراتيجي للنظام السوري، تبدو عاجزة عن تقديم دعم ملموس بنفس الوتيرة التي عهدناها في السنوات الماضية. تصريحات مسؤوليها المتتالية، سواء من القيادة أو من أدواتها الإقليمية، تبقى في الغالب مجرد تهديدات دون أفعال ملموسة. ففي الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2024، قام وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بزيارة إلى دمشق حيث التقى بالرئيس الأسد ونقل رسالة دعم من القيادة الإيرانية، مؤكدًا استمرار دعم إيران لسوريا وشعبها. مع ذلك، يظهر أن هذا الدعم، مقارنة بالسنوات الماضية، لم يتجاوز الحدود الدبلوماسية إلى الفعل الميداني. هذا التراجع يعكس تراجع قدرة إيران على التأثير بشكل حاسم في الصراع ليس فقط السوري، بل والإقليمي.

إقرأ أيضاً: القومية بين البناء الحضاري والتشويه الإقصائي

وفشلت إيران عند إدخال مجموعات من الحشد الشعبي إلى سوريا ليلًا، في تحقيق أهدافها الميدانية، ولا تزال قوات أخرى متجمعة على الحدود مع سوريا دون أن تجرؤ على العبور، بالرغم من كل الشعارات التحريضية المذهبية التي تُرفع تحت ذريعة حماية المقدسات الشيعية في سوريا، مثل ضريح السيدة زينب.

على الصعيد السياسي، ظهرت إشارات إلى نقاشات جرت بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة حول إمكانية رفع العقوبات عن النظام السوري إذا نأى بنفسه عن إيران وقطع خطوط نقل الأسلحة إلى حزب الله. هذه النقاشات، كما أشرنا سابقًا، تعكس رغبة أميركية واضحة في تقليص النفوذ الإيراني داخل سوريا بما يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية وفق المصالح الدولية.

من المتوقع أن تستمر إيران في تقديم الدعم لنظام الأسد عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية، لكنها تواجه إخفاقات واضحة حتى الآن في كلا المجالين، خاصة في الجانب العسكري، لأنها تواجه تحديات كبيرة من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يعملون على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل متزايد. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض المواقع الإيرانية في سوريا لتهديدات إسرائيلية مستمرة، مما يضع قيودًا إضافية على قدرة إيران على تقديم دعم فعال، ما يجعل هذه القدرة محدودة أو شبه معدومة.

فالتساؤلات حول مصير بشار الأسد ونظامه تعكس وضعًا شديد الهشاشة، قد يواجه خطر الانهيار إذا استمرت الضغوط والتحديات الحالية. في هذا السياق، يبرز الصمت التركي الذي يبدو مدعومًا ضمنيًا من الولايات المتحدة، وبالتالي فإن مصير سوريا كوطن أصبح بالفعل على المحك. ولن يكون هناك مخرج من حالة الانقسام الحالية، وديمومة الاحتلال التركي غير المباشر على شمال شرقه، إلا بفرض نظام فيدرالي بسلطة لا مركزية، يتكون من خمس فيدراليات على الأقل، ليضمن التوازن ويعيد الاستقرار إلى البلاد، وعلى الأغلب هذا ما سيتم عرضه دوليًا في القادم من الزمن.