سعت تركيا لكسب نفوذ قوي في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز، ونجحت في تحقيق ذلك. في قبرص، تدخلت عسكرياً عام 1974، مما أدى إلى تقسيم الجزيرة، لكن معظم دول العالم لا تعترف بالتقسيم. أما في ناغورنو كاراباخ، فقد دعمت تركيا أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا، خاصة في حرب 2020، بتقديم مساعدات عسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، ما ساهم في استعادة أذربيجان للأراضي التي كانت تحت سيطرة الأرمن. من خلال هذا الدعم، عززت تركيا نفوذها في القوقاز وعلاقتها بأذربيجان.
وفي حلب والمناطق السورية الأخرى، دعمت تركيا هيئة تحرير الشام لفرض سيطرتها وتعزيز نفوذها في سوريا، حيث لعبت تركيا دوراً رئيسياً في تحركات هذه الجماعات.
التشابه مع غرب كردستان (روج آفا)
في حالة غرب كردستان "روج آفا"، ترى تركيا نفسها في وضع مشابه لما كانت عليه في قبرص وناغورنو كاراباخ. في غرب كردستان، حيث تسيطر سوريا الديمقراطية (SDF) على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، و(PYD) هي قوة لها علاقات قوية في النضال مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، ترى تركيا في هذه القوى تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وتتهمها بمحاولة إقامة دولة كردستانية مستقلة على حدودها الجنوبية، مما يتعارض مع سياساتها الداخلية والخارجية.
في السنوات الأخيرة، حاولت تركيا استخدام القوة العسكرية بشكل متكرر لاحتواء هذه القوى الكردستانية، كما حدث في عملية "غصن الزيتون" عام 2018 وعملية "نبع السلام" عام 2019، حيث تسعى من خلال هذه العمليات إلى تأكيد نفوذها في المنطقة وإضعاف الكرد.
دور تركيا في دعم التنظيمات الإرهابية
في سياق جهودها للحد من التأثير الكردي في المنطقة، دعمت تركيا أو استغلت بعض الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد الكرد. من أبرز هذه الجماعات هيئة تحرير الشام، التي كانت تعرف سابقاً بجبهة النصرة/القاعدة، وداعش. وقد تم استخدام هذه الجماعات الإرهابية في مناطق أخرى خارج سوريا، مثل العراق وليبيا، كوسائل لتحقيق مصالح تركيا الاستراتيجية.
من خلال دعم هذه التنظيمات، تسعى تركيا إلى تنفيذ مشاريعها الخاصة بتغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة، مثل غرب كردستان، وتقديم نفسها كقوة إقليمية قادرة على التدخل في أي نزاع.
التأثير التركي على الكرد في غرب كردستان
بالرغم من محاولات تركيا لتكرار استراتيجيتها في قبرص وناغورنو كاراباخ، وحالياً في حلب، فإن الوضع في غرب كردستان مختلف تماماً. ففي حين تمكنت تركيا من فرض سيطرتها على قبرص الشمالية وناجورنو كاراباخ، فإن الكرد في غرب كردستان نجحوا في مواجهة محاولات تركيا للهيمنة عليهم.
وحدات حماية الشعب (YPG) وأطراف أخرى من الحركة الكردية في سوريا نجحوا في بناء نموذج سياسي وعسكري مستقل في مناطقهم، بما في ذلك إقامة إدارة ذاتية في شمال وشرق سوريا، وهو ما يتعارض مع الطموحات التركية.
من جهة أخرى، كان الكرد في سوريا جزءاً من التحالف الدولي ضد داعش، الذي قادته الولايات المتحدة. هذا التحالف عزز من موقف الكرد في المنطقة وأدى إلى تقوية العلاقات مع القوى الغربية، ما جعل من الصعب على تركيا تحقيق أهدافها بسهولة كما حدث في قبرص أو ناغورنو كاراباخ.
المقاومة الكردية والرمزية الإنسانية
أحد العوامل الحاسمة في الفشل التركي في غرب كردستان هو المقاومة الكردستانية، التي تعتبر رمزاً للحرية والكرامة الإنسانية في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا.
في عام 2014، عندما كانت تركيا تأمل في أن تكون جبهة النصرة وداعش قادرتين على ارتكاب إبادة جماعية ضد الكردستانيين في كوباني، شهد العالم مقاومة تاريخية للكردستانيين ضد تنظيم داعش.
هذه المقاومة، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة ودعماً دولياً، كانت دليلاً على قدرة الكردستانيين على الصمود أمام أقوى القوى الإرهابية المدعومة من دول كتركيا.
الآفاق المستقبلية
إذا قررت تركيا المضي قدماً في شن هجوم واسع النطاق على غرب كردستان، كما هو متوقع من خلال دعمها للجماعات المسلحة مثل الجيش الوطني السوري، فمن المرجح أن تشهد المنطقة جولة جديدة من القتال.
وفي هذه الحالة، سيتعين على الكردستانيين، الذين أثبتوا قدرتهم على الصمود في الماضي، مواجهة تحديات جديدة. إلا أن المقاومة الكردستانية ستكون مرة أخرى اختباراً لإرادة الكردستانيين وعزيمتهم في مواجهة العدوان التركي والمنظمات الإرهابية الجهادية في المنطقة.
الخلاصة
تركيا تسعى إلى تطبيق استراتيجياتها التي استخدمتها في قبرص وناجورنو كاراباخ، وحالياً في حلب وغرب كردستان، ولكن المقاومة الكردستانية والظروف الجيوسياسية في المنطقة تجعل من هذا الهدف أمراً صعب التحقيق.
الكرد في غرب كردستان أصبحوا رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال والإرهاب، وهم مستمرون في الدفاع عن هويتهم الوطنية وحقوقهم في مواجهة الهجمات التركية.
التعليقات