لا يمكنني عزل ما يحدث في سوريا منذ أيام عما حدث في غزة ولبنان، بل أفترض - وأتمنى أن أكون مخطئاً - أن ما حدث، سبق التنسيق على إحداثه بين إسرائيل وتركيا، فالهدف ليس إسقاط نظام بشار الأسد، والحرص على "مستقبل الشعب السوري" بقدر ما هو إسقاط الدولة السورية وتقاسمها بين تركيا وإسرائيل، بالدرجة الأساس، والولايات المتحدة بدرجة أقل مع أنها - حسب ما أعتقد، وليست معلومات مؤكدة - قد تكون الفاعل الأكبر في الأحداث من خلال "تفاهم" فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع القيادة الروسية، على مقايضة أوكرانيا بسوريا، وفي هذا تفاصيل، سأذكر بعضها في هذا المقال بعد أن أوجّه نصيحتي إلى الرئيس السوري بشار الأسد بفعل أفضل ما يمكن أن يفعله لسوريا، وللشعب السوري والمنطقة، قبل سقوط نظامه الذي ربما سيتأخر بضعة أيام أو أسابيع أخرى.
نصيحتي للرئيس السوري بشار الأسد، هو تسليم السلطة، الآن وقبل فوات الأوان، إلى ممثلين من أحزاب المعارضة السورية الوطنية المدنية العلمانية، لتجنيب سوريا الوقوع في فخ التنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي سوف تعيث بدماء السوريين نزيفاً قد لا يتوقف، ويحبط مخططات تركيا وإسرائيل، ويضع العالم أمام واقع آخر غير الذي يُخطط له، بالإضافة إلى أنَّ هذا الخيار سيذكر على أنه الخيار الأكثر صوابية الذي اتخذه بشار لإنقاذ سوريا من التفكك والانهيار.
من المفيد أن نتذكر بعض الأحداث التي سبقت سيطرة التنظيمات المسلحة على حلب، ومنها، دعوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبشار الأسد لفتح حوار معه؛ وتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن بشار الأسد يلعب بالنار، الذي لم أجد له مناسبة يمكن أن تكون دافعاً لمثل هذا التصريح؛ لقاء وفد استخباري إسرائيلي بأردوغان قبل أحداث حلب ببضعة أسابيع؛ ضربات إسرائيلية لمواقع تخزين الأسلحة والأعتدة الخاصة بالجيش السوري، ولا سيما القريبة من حلب؛ ضربات إسرائيلية لعدد من معسكرات الجيش السوري، وضربات إسرائيلية لبعض مواقع المليشيات العراقية في سوريا، وعلى الحدود العراقية – السورية.
ومن المفيد أيضاً أن أنبه إلى بعض التفاصيل التي يمكن أن تغيب عن التفكير في هذا الوقت، وأولها ما يمكن أن أسميه "ضربات ذر الرماد في العيون" التي اتسمت فيها الضربات الروسية لمواقع التنظيمات المسلحة بعد سيطرتها على حلب، فهي لم ترتق إلى قوة الضربات الروسية على تلك التنظيمات في عام 2011 و2012، بالإضافة إلى "صلابة" الموقف الروسي من تلك التنظيمات في تلك السنوات، مقارنة بالموقف "غير الحاسم" خلال الأيام السابقة.
إقرأ أيضاً: امنحوا العالم منفذاً للخروج
لا بدّ أخيراً أن أكتب تصوري عما حدث في سوريا قبل أحداث حلب، وما يمكن أن ينشأ نتيجة انهيار النظام، أو انهيار الدولة السورية، وهو مجرد "تحليل" غير مبني إلا على استنتاجات شخصية وربط الأحداث مع بعضها.
الضربات الإسرائيلية في سوريا حدثت بالاتفاق مع روسيا بعد أن نجحت إسرائيل بخداعها، بأنها تستهدف "النفوذ الإيراني" لتقليصه في سوريا، لصالح روسيا، بينما الحقيقة أنها ضربات لتقليص قوة الجيش السوري، للتهيئة لعملية حلب وما بعدها.
دعوات أردوغان للحوار مع بشار الأسد، جاءت بعد أن تجهّز المسرح للعمل العسكري، وكان هدفها إبعاد "عمله على خرق اتفاق الإستانة" عن الأنظار، فسيكون لديه ما يقوله بأنه كان يريد فتح صفحة جديدة مع بشار الأسد، ولم تكن له يد بما حدث لاحقاً.
إقرأ أيضاً: طريق التنمية... هل يمكن أن يكون عراقياً؟
أفترض أن فريق ترامب، قد فتح حواراً مع روسيا بشأن أوكرانيا، وكانت سوريا ضمن صفقة إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي كانت إحدى شعارات الرئيس المنتخب ترامب، وهذا ما يفسر ضعف الأداء العسكري والسياسي الروسي في سوريا بعد عملية حلب، مقارنة بأدائها ودعمها في السنوات السابقة.
لذلك ولتفويت الفرصة على كل هذه الأطراف، ولكي يوجه بشار الأسد "ضربة معلم" للمخطط المعد لسوريا، أنصحه بأن يسارع بتسليم السلطة طواعية الآن إلى ممثلين من أحزاب المعارضة المدنية العلمانية، قبل أن يفقد القدرة على اتخاذ القرار.
التعليقات