الحرب في غزة أخذت منحى حرب الإبادة الجماعية، وكشفت على نحو فاضح، زيف ادعاءات الحكومات الغربية التي وقفت متفرجة أمام الجرائم اليومية التي ترتكبها العصابة الصهيونية في تل أبيب بحق الفلسطينيين، ولم تر ما يستوجب إصدار بيان مشترك منها، لإدانة تلك الجرائم، أو طلب امتناع العصابات الصهيونية عن مواصلة ارتكاب جرائمها، كالبيان المشترك لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الذي يطلب من إيران الامتناع عن توجيه "رد" على عملية اغتيال إسماعيل هنية في إيران، ويؤكد، دون خجل، وقوفها مع من يرتكب هذه الجرائم، ضد إيران فيما لو "ردًت" على عملية اغتيال هنية على أراضيها. وكان يمكن أن يؤدي توجيه مثل هذا البيان المشترك ضد مرتكبي عملية، بل عمليات الاغتيالات، والمجازر اليومية في غزة، إلى نهاية تلك الجرائم منذ وقت بعيد، ولانسجم بيان تلك الدول، مع ادعاءاتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وحفظ السلم والأمن الدوليين.
أما وقد بتنا على مسافة زمنية قصيرة من توجيه إيران، وحزب الله اللبناني "رداً" على إسرائيل على اغتيالها هنية، وفؤاد شكر، يتزامن أو يقترب من موعد مفترض لمواصلة مفاوضات وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، فإنَّ المنطقة والعالم بات على مفترق طرق، فأما أن تبدأ كرة الثلج بالتدحرج، ولا يمكن التكهن بالحجم الذي تبلغه، أو المدى الذي قد تصل إليه، أو أن نشهد انفراجة حقيقية لكل الأوضاع في المنطقة.
إنَّ الخيار الثاني ممكن فقط من خلال منح إيران وحزب الله خياراً ثانياً غير الرد المباشر على إسرائيل، وهذا الخيار يمكن أن يكون خياراً مقبولاً للطرفين، ولا يحرجهما أمام جمهورهما وأتباعهما، وقد يكون وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء الحرب فيها، هو ذلك الخيار، الذي يمنع تسلسل الأحداث بما يقود إلى حرب شاملة يسعى إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم المتطرفين في حكومته، أمثال بن غفير، الذي يبدو من شكله، وطريقة تفكيره، أنه مصاب بمتلازمة براون، أو متلازمة "حماس".
قد يعد نتنياهو والمتطرفون من حكومته، إنّ ذلك يعني منح نصر لكل من إيران وحزب الله، وهو ليس نصراً لأحد، لكن الأكيد أن هذه النتيجة، هي ذاتها التي سيصل إليها كل الأطراف، إذا ما اختاروا التصعيد و"الرد" و"الرد المقابل"، بعد أن تأخذ الحرب ما تأخذ من أرواح ومقدرات، وكلف باهظة.
ربما لدى كل من طرفي الصراع، ما يجعله يعتقد بأن النصر في أي حرب، سيكون حليفه بما يمتلكه من حلفاء، وأسلحة ونطاق حركة، لكن المشكلة أن الحرب الحديثة، حتى المنتصر فيها، يحتاج إلى سنوات للخروج من تبعات وتعويض خسائرها. ولو أخذنا، مثلاً، إسرائيل في حربها في غزة، فقد بلغت الخسائر المنظورة، نحو 10,000 شخص بين قتيل وجريح، حسب بعض وسائل الإعلام العبرية، ونحو 70 مليار دولار، فكم ستبلغ خسائرها البشرية، والمادية في حالة نشوب صراع أوسع، بأسلحة أشد فتكاً من الأسلحة البسيطة التي تستخدمها "حماس"؟
لذلك أحث الأطراف الفاعلة، والمؤثرة على أطراف الصراع، تقديم بديل مقنع لكل من إيران وحزب الله، ينقذ المنطقة والعالم مما يمكن أن تؤول إليه الأحداث فيما لو لم يمنح العالم نفسه، خياراً للخروج من المأزق. وقد يكون إيقاف مجازر إسرائيل، ووقف الحرب على غزة، هو الخيار الصائب.
التعليقات