مؤلم، ما جرى في قامشلو (اعتصام ووقفة احتجاجية ضد الاعتقالات التي طالت بعض الشخصيات الكوردية، السياسية والإعلامية، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، واجهتها اعتداءات من قبل قوى أمن الإدارة الذاتية). ففي الوقت الذي تتعرض فيه قضيتنا ومنطقتنا بشكل عام إلى هجمة غريبة، تمهد طرفي الاستقطاب الحزبي، بسذاجة أو على خلفية إملاءات ما، المسوغات للأعداء.
يتناسون أن هناك محاولات إقليمية خبيثة تجري، لتجميع القوى المتربصة بشعبنا، هدفها القضاء ليس فقط على الإدارة الذاتية وقوات الحماية الشعبية، بل إضعاف وحتى إزالة دور الحراك الكوردي بكليته، وبشكل خاص المجلس الوطني الكوردي، داخلياً وخارجياً، أو ترسيخ ديمومة تبعيتهما للخارج، وجعلهما أدوات بيد القوى المحتلة لكوردستان.
ومن الغرابة تناسي قوى الإدارة الذاتية أن ما يجري هو مخطط لإعادة المنطقة إلى حضن النظام، أو عودة النظام بأدواته لاستلام زمام الأمور، وأن مصالح أميركا في بعضه وفي منطقتنا مرهونة بمدى تقارب حراكنا أو تشتتنا، وأن نجاح ما يخطط له سيكون نهاية قوى الإدارة الذاتية قبل أي طرف آخر من الحراك الكوردي.
كم نحن بعيدون عن السياسة ومعرفة مصالح أمتنا، ننجر إلى ما يخططه أعداؤنا، إلى الدرجة التي تنجر فيها الطرفان وبسذاجة إلى القيام بأعمال، بعضها مضرة، وأخرى فاشلة، لحاضر وقادم منطقتنا، ويتناسون أنه بقدر ما تصبح قضيتنا يوماً بعد آخر العامل المشترك للتفاهم والتحالف بين أعدائنا، تتحول إلى عامل للتفتت والتشتت والتباعد بيننا.
الاعتداءات التي جرت بحق قيادة المجلس والجماهير معيبة وسافرة، وبالمقابل الاعتصامات في هذه المرحلة فاشلة ومشكوكة في أمرها.
والأغرب أنه بالرغم من كل ما يجري، لا يتم إخلاء سبيل المعتقلين السياسيين السابقين، ولا ينتبهون إلى أن الاعتقالات الجارية مضرة بقادم المنطقة والإدارة الذاتية قبل أي طرف آخر. وبالمقابل، ما يجري في أروقة المعارضة الكوردية أو المجلس الوطني الكوردي في هذه المرحلة خارج من منطق حماية المنطقة، وهو بشكل ما يضر بمصلحة شعبنا.
أدين الاعتداءات واعتقال قيادة المجلس الوطني الكوردي والجماهير المعتصمة معهم. وما تعرض له المحامي النبيل (محمد مصطفى)، عضو المكتب السياسي لحزب اليكيتي الكوردستاني، والذي قضى سنوات في سجون النظام المجرم ولا يزال يعاني من تبعاتها صحياً إلى اليوم، إهانة لقيادة الـ ب ي د قبل أن تكون لأي طرف حزبي آخر من حراكنا الكوردي. وما أقدم عليه جوانن شورشكر وأسايش الإدارة الذاتية من التجاوزات يضعف الطموحات والآمال بحاضر وغدٍ ناجح للإدارة الذاتية ولشعبنا الكوردي.
حتى ولو تم إطلاق سراحهم، ستظل العملية والسياسة مدانتين، وأساليب فاشلة في حل الخلافات. نأمل من الذين يدفعون بهؤلاء الشباب إلى هذه الأفعال إعادة النظر في أساليبهم التي تضعفهم قبل أن تضعف المعارضة.
لا يُستبعد أن يكون منع الاعتصام والاعتقال:
1- تهديداً مباشراً للمجلس تحت منطق إدراجه كأداة إقليمية، وعلى أن الاعتصام في هذا الوقت مخطط تركي، والمجلس معروف أنه طرف من الأطراف المنضوية تحت هيمنتها المباشرة أو غير المباشرة.
2- أو ربما الاعتقال والترهيب تغطية لبدايات مرحلة إعادة تسليم المنطقة إلى النظام بشكل متدرج، كعملية استباقية للتطبيع التركي معه، وفي هذه الحالة ستكون تركيا والنظام راضيين، لكنها ستضر بمصالح أميركا.
لا يستطيع قيادة المجلس تبرئة ذاته من الاعتصام في هذا الوقت الحساس، وحيث التقارب التركي والنظام السوري، وبمعية بوتين، والكل يرى مخططات محاربة الإدارة الذاتية الجارية بشكل متسارع، ومن تحت هذا الغطاء تجري محاولات القضاء على القضية الكوردية في غرب كوردستان.
فما يجري من وراء الكواليس بين الدول المحتلة لكوردستان وبمعية عرابهم روسيا مؤامرة واضحة، واحتمالات حدوث مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع قوات قسد حاضرة في كل لحظة، بالرغم من أنها تضطر بمصالح أميركا في سوريا.
وما يُخطط حول مستقبل الإدارة الذاتية وقسد، والمجلس الوطني الكوردي ليس بواقع البديل، يدفع بنا إلى أن توقيت المجلس لم يكن منطقياً إن لم يكن مخططاً، وكان عليه أن ينتبه إلى عامل الزمن، لأن ما جرى يخلق شكوكاً حوله.
أكرر أنني أدين الاعتقالات السياسية، فمن حق كل القوى الوطنية الاعتصام والاحتجاج بالمسيرات السلمية، ويظل الكل بريئاً إلى أن تثبت التهمة، لكن وعلى خلفية الشكوك، كان على قيادة المجلس كما نوهنا دراسة توقيت الاعتصام بالرغم من أهميته.
وبالمقابل، ننبه قيادة الـ ب ي د وقوى الإدارة الذاتية إلى أنه عليهم أن يدركوا أن مثل هذه الاعتقالات تضعف قدراتهم في مواجهة المؤامرة الإقليمية داخلياً وخارجياً، وبالتالي كان عليهم السماح بالاعتصام، بل وتقبل شروط المجلس الوطني الكوردي، والحوار مع قيادته حول القضايا التي قاموا بالاعتصام من أجلها وما بعدها، كالتشاور حول مجريات الأحداث، لا اعتقالهم وإهانتهم.
من المؤسف القول إن حراكنا لا يزال يعيش عقلية الأنظمة الشمولية، إن كانوا في السلطة أو المعارضة. ولا شك أن القوي هو المعني الأول بهذه الإشكالية.













التعليقات