بعدما راجعت ما كتبه دريدا عن التفكيك، كتحرير للمعنى عن ثوابت النص .. لخلق واقع ابداعي أكثر حداثة، خرجت بفكرة أن هناك تفكيكية أخلاقية، وتفكيكية لا أخلاقية.
وأن التفكيك الأخلاقي هو إعادة صياغة النص الأولي بفصل المعنى القديم عن نصه و إعادة إنتاجه وتطويره بما يعزز القيم الأخلاقية ويزيد من تألق المعرفة الإبداعية الأساسية لبناء هيكل معرفي ينسجم مع أسس القيم الأخلاقية في سياق وعبر نص ينسجم مع المراحل اللاحقة دون الطعن أو الإساءة الى الأصل المعرفي الخلاق.
لذلك يقول الكسيس كارل في كتابه الإنسان ذلك المجهول: إذا أراد أي مجتمع أن يتطور فلا بد أن تتم إعادة صياغته.. ولكي تعاد صياغته لا بد أن يتألم.
وإعادة الصياغة الأهم هي نبش المسلمات ووضعها تحت الفحص والتدقيق ورفض ما يخالف العقل وتطوير المعنى بما ينسجم وثقافة كل عصر.
لذلك أنا أعتبر أن اتخاذ موقف سواءً إيجابي أو سلبي تجاه إنتاج معرفي سواء كان ذلك الإنتاج المعرفي قديماً مثلاً ( ما أنتجه ابن سيناء) أو ما ينتجه أحد المبدعين في عصرنا الحاضر :
هو موقف تفكيكي أخلاقي أو لا أخلاقي .. ونعتبره تفكيك أخلاقي لو كان محاولة لتحرير النصوص المعرفية من معانيها القديمة دون تعمد الإساءة والتشويه لغايات لا أخلاقية وغير معرفية فيصبح التفكيك لا أخلاقي .
لكن المؤلم حقاً، بل الأكثر ايلاماً :
عندما يكون عند شخص ما ، أو واقع ماء تفكيك (أخلاقي .. و .. لا أخلاقي) تجاه شيء معين في نفس الوقت… مثلاً :
أن يكون الموقف من العباقرة كإبن سيناء وإبن رشد وغيرهم من المبدعين المسلمين الأوائل: لا أخلاقي في اعتبار ما أنتجوه زندقة، و أخلاقي في التفاخر بهم أمام الغرب عندما يقوم ذلك الغرب بوصف المسلمين بالمتخلفين.
وهذا التناقض من وجهة نظري : يجب أن يكون هدف أي تفكيك أخلاقي لأي مجتمع ينشد الحضارة والتطور لكي تتم إعادة الصياغة بشكل حقيقي يفصل بين ازدواجية الأحكام والأخلاق ويحقق الهدف المنشود في تطوير المجتمع والانتقال به الى مراحل أكثر ازدهاراً و رقيا.
لذلك فإن التفكيك اللا أخلاقي.. تأويل أي نص ليصبح المعنى الجديد وسيلة الى هدم المعرفة الخلاقة والعمل المبدع والذي بدوره يؤدي الى تفكيك المعنى الاخلاقي الجميل عن نصه، لا لكي يبدع حداثة أكثر تطوراً وانسجاماً مع المراحل الجديدة وانما لخلق معنى أكثر قدرة على التفكيك للأسوأ.
ولأن القيم الأخلاقية مصدر كل حضارة، وانحطاطها وانهيارها أساس كل تخلف .. فإن التفكيك الاخلاقي مهم وضروري لإعادة صياغة النصوص والقوانين المعرفية لخلق واقع أكثر حداثة استنادا الى نصوص ذات دلالات ومعاني أكثر انسجاماً مع روح العصر الذي يعيشه الإنسان المعاصر في كل زمان ومكان.
أي أن تتم المحافظة على روح الجوهر الأخلاقي في النص المعرفي .. وتأويل المعنى لينسجم مع الواقع المتغير.
وهذا التوازن بين الثابت والمتغير عبر فصل المعنى عن النص حسب المرحلة:
هو تفكيك أخلاقي جدير بالتأمل والدراسة، ومهما كان النص ثابتاً والمعنى متغيراً حسب التغيرات الزمانية والمكانية فإن التغيير والتطوير يصبحان طبيعيين دون عوائق أو مزالق.
أما عندما يتم اعتماد المعنى المشوه للنص كأساس معرفي على حساب القاعدة الأخلاقية والمعرفية الأساسية، فإننا نكون أمام تفكيك لا أخلاقي.. يعيد الفهم الى ثبات مرحلة ما قبل النسق وليس الى مرحلة تطوير ما يجب ان يكون بعد السياق، في الوقت الذي قد تغير فيه الفهم والادراك والمعنى خضوعاً عند ارادة الحياة التي تقسر الواقع على التغير، وحين يكون ذلك التغيير قسرياً يكون الثمن المدفوع أعلى كلفة و ألما !!
التعليقات