طلبت معظم دول العالم من رعاياها مغادرة لبنان تخوفًا من الحرب القادمة بين إسرائيل وحزب الله، وسعت تلك الدول إلى منع رحلاتها الجوية من الهبوط والإقلاع في مطارات لبنان، وكذلك إلى عدم استخدام الأجواء اللبنانية. والسؤال هنا: دولتان متجاورتان تستعدان للحرب وتمتلكان القوة لتدمير البنى التحتية لكلا الطرفين، فلماذا المطالبة بإخلاء الرعايا وعدم السفر وحظر الطيران فقط من إحدى هاتين الدولتين؟ لماذا لم تطالب دول العالم رعاياها بمغادرة إسرائيل وتوقف الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب؟ لماذا فقط لبنان؟

الجواب ببساطة يتضمن ثلاثة أسباب:

أولاً: الاعتراف الضمني: تعترف هذه الدول ضمنيًا بأن إسرائيل هي الأقوى في طرفي المعادلة، وهي القادرة على تدمير البنى التحتية للبنان وهي صاحبة اليد الطولى في هذه الحرب.

ثانياً: الدعم غير المباشر لإسرائيل: يعتبر هذا السلوك الدولي دعمًا غير مباشر لإسرائيل، على اعتبار أن الأراضي الإسرائيلية آمنة وغير قابلة للاختراق، وأن الوضع الداخلي في إسرائيل مستقر ولن يتأثر بالحرب.

ثالثاً: الحرب النفسية: هذه الإجراءات هي جزء من الحرب النفسية لخلق الفوضى داخل لبنان وجعل اللبنانيين يعيشون حالة من اللا ثقة في مواجهتهم للقوة العسكرية الإسرائيلية.

في الحسابات العسكرية، ليس للبنان القدرة على اختراق الأراضي الإسرائيلية واحتلالها، بينما تمتلك إسرائيل القدرة على احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي اللبنانية، والتاريخ القريب أثبت ذلك مرات عدَّة. لكن الحرب تبقى حربًا، فيها القتل والدمار والنزوح والمجاعة والأمراض والنهب والسلب وتعطل حركة الحياة وتوقف الخدمات، ولا يسلم منها أي طرف مهما كانت قوته.

إقرأ أيضاً: من يقل يفعل!

الخدعة التي استخدمها الإسرائيليون لخداع حزب الله اللبناني طوال الأشهر التي تلت أحداث غزة هي أنهم وضعوا مبدأ قواعد الاشتباك، مما أدى إلى منع حزب الله من توسعة الحرب منذ البداية. وكانت إسرائيل تسعى من خلال هذه الخدعة إلى عدم فتح جبهتين في آن واحد حتى يتم السيطرة التامة على جبهة غزة، لتتفرغ بسهولة للجبهة الشمالية. حزب الله وقع في فخ هذه الخدعة بحسابات خاطئة، وها هو اليوم يشهد إسرائيل تتفرغ له.

تجارب الحروب تعلمنا أن من يُخدع يخسر الحرب. ما كان على حزب الله ولبنان منذ اليوم الأول لحرب غزة أن يضعا نفسيهما في هذا الموقف الصعب والمتذبذب. كان عليهما إما فتح جبهة جنوب لبنان بكل قوة أو التنحي جانبًا دون التدخل بأي شكل من الأشكال. الموقف الخاطئ الذي جاء استجابة للضغوط الدولية والخدعة الإسرائيلية سيكون سببًا في خراب لبنان. لم تكن مصر والأردن والسعودية، وهذه الدول الثلاث المجاورة لإسرائيل، وحتى القيادة الفلسطينية غير متعاطفة مع شعب غزة، بل كانوا أكثر حرصًا ومساندة لشعب غزة، لكنهم اختاروا الدعم الإنساني والإعلامي والسياسي بدلاً من الدعم العسكري الذي انفرد به حزب الله والحوثيون.

إقرأ أيضاً: لماذا حذر ترامب من حرب عالمية ثالثة؟

نتمنى ألا تقع الحرب في جنوب لبنان، ولكن المؤشرات على الأرض تدل على أنَّ إسرائيل وجدت العذر المناسب والذي أقنعت العالم به عندما سقط الصاروخ اللعين على الأبرياء في هضبة الجولان، ليقتل مجموعة من الأطفال والعائلات، وليرسم صورة في أذهان شعوب العالم بأن إسرائيل ذاهبة لمحاربة الإرهاب. أي أنَّ حزب الله، الذي عمل طوال الأشهر الماضية وبحرص شديد لرسم صورة المقاومة والإسلام الصامد والمدافع عن الحق في أذهان شعوب العالم، ستتغير صورته على المستوى الدولي إلى "داعش" جديد.

نعم، الحرب وشيكة بلا أدنى شك، وستكون كارثة إنسانية جديدة تضاف إلى الكوارث التي تشبعت بها منطقتنا الحزينة. الكل يعلم أنَّ الحروب الحديثة أصبحت تدميرية بكل معنى التدمير، وخالية من كل الظروف الإنسانية والأخلاق، وبعيدة كل البعد عن قوانين الحروب التي دونتها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.