خلال الأيام 29 و30 حزيران (يونيو) والأول من تموز (يوليو) 2024، شهدت العاصمة الفرنسية باريس انعقاد تجمع إيران الحرة، وهو تجمع يقام كل عام في مثل هذا الموعد وتحضره شخصيات سياسية وقانونية وإعلامية وحقوقية من مختلف أنحاء العالم. لكن الذي جعل تجمع هذا العام مميزًا ومختلفًا عن تجمعات الأعوام السابقة، هو انعقاده والنظام الإيراني يواجه ظروفًا وأوضاعًا بالغة التأزم ولا يزال يعاني من كابوس مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي والآثار والتداعيات المختلفة الناجمة عنه، ولا سيما أن انتخابات الرئاسة التي سجلت أكبر خسارة استراتيجية للمرشد الأعلى في إيران، تزامنت مع هذا التجمع الذي دعا الشعب الإيراني إلى مقاطعته.

في هذا التجمع، ولا سيما خلال اليوم الثالث حيث انعقدت جلسة تحت عنوان "إيران: جرائم ضد الإنسانية ومحاكمة منفذيها"، خاطبت مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، العالم وهي تكشف عن الطبيعة العدوانية الشريرة للنظام الإيراني، عندما قالت: "في العصر الحديث تحتل إيران الملالي الرقم القياسي في مختلف مجالات القمع والكبت. وتشمل هذه الانتهاكات سجن وتعذيب ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وإعدام أكثر من مئة ألف سجين سياسي، وارتفاع عدد الإعدامات في كل عام". وأعلنت أنه "في العام الماضي، ثلاثة أرباع الإعدامات المسجلة في العالم كانت في إيران".

مظاهر الخيبة والإحباط ظهرت واضحة جداً على النظام وهو يواجه مقاطعة واسعة لمسرحية الانتخابات لخلف رئيسي، مما أثبت أن الشعب يرفض هذا النظام بقوة. إن ما يتم طرحه والتأكيد عليه في خطب المتحدثين في تجمع إيران الحرة بخصوص الرفض الشعبي للنظام ليس مجرد تأويل أو تخمين وإنما هو حاصل تحصيل واقع اعترف به النظام نفسه حينما أكد أن نسبة المشاركة في مسرحية انتخاباته لم تتجاوز 39 بالمئة، وبالرغم من التشكيك بهذه النسبة لأن الحقيقة أقل من ذلك، فإن حتى هذه النسبة تؤكد بأنها أقل نسبة مشاركة شعبية في الانتخابات، ما يصفع النظام بقوة.

لم يعد سهلاً على النظام الإيراني أن يستمر كما كان متاحًا له خلال الأعوام الماضية. الأحداث والتطورات الجارية تثبت بوضوح أن النظام الذي قام بتشييد جدار خوف على مر 45 عامًا، فإنه إلى جانب انهيار هذا الجدار، يواجه الرفض الشعبي الحازم له والذي لا يقف عند حدود الرفض وإنما يتجاوز ذلك مطالبًا بالتغيير الجدي الذي لا يمكن أن يتم إلا برحيل النظام.

"لا" الكبيرة للشعب الإيراني للديكتاتورية وتصويته الحاسم للإطاحة في انتخابات نظام ولاية الفقيه الدكتاتوري جاءت نتيجة للمآزق والهزائم الكبرى التي حلت بالنظام. الحقيقة الأهم حول خمس جولات من الانتخابات التي أجريت على التوالي منذ آذار (مارس) الماضي هي أن خامنئي أراد حل مشكلة الخلافة وبقاء نظامه بهذه الانتخابات. أراد حل المشكلة بعد موته، لكنه فشل في هذا الهدف، واقترب النظام خطوة كبيرة من الإطاحة به.

تم ترتيب هذه الانتخابات لخلافة خامنئي والحفاظ على نظامه، لكنها بقيت عقيمة. لذلك، تنتظر الأيام المظلمة للدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، وقد بدأ العد التنازلي، لأن المتابعة الميدانية التي قامت بها وحدات المقاومة داخل إيران منذ الساعات الأولى لعملية الاقتراع في أكثر من أربعة عشر مركزًا انتخابيًا في أرجاء البلاد أظهرت بجلاء أن الانتخابات الصورية الأخيرة كانت عملية اختلاق أرقام فاضحة للتغطية على المقاطعة الكبيرة التي فرضها الشعب الإيراني خلال هذه الفترة على النظام. و"لا" شاملة للاستبداد الديني وتصويت الشعب الحاسم لإسقاط نظام الملالي وإقامة جمهورية ديمقراطية، وهو المطلب الوطني للشعب الإيراني. لقد عبر الشعب الإيراني عن مطالبه في حملات انتخابية متتالية خلال الأشهر القليلة الماضية.

إقرأ أيضاً: انتخابات الرئاسة الإيرانية ووهم التغيير

في الساعات الأولى بعد إعلان نتائج هذه الانتخابات، أجبر خامنئي الرئيس الجديد صراحة على اتباع طريق إبراهيم رئيسي علنًا. بالطبع، كان مسعود بزشكيان نفسه قد أكد بالفعل أنه "ذاب في ولاية الفقيه". لقد أوضح هو نفسه أن "إيماني هو أن أكون مخلصًا للقائد". كما أعلن مرارًا وتكرارًا خلال حملته الانتخابية بأن قاسم سليماني "بطل قومي" وأكد: "ليس من المفروض أن نغير مسار الحكومة وسياساتها" كما تعهد بأنه يريد "تحقيق الأهداف التي ينصب عليها الولي الفقيه". وبعبارة أخرى، ما يأمر به خامنئي ويريده، فهو ملزم بتنفيذه. "مهمة أي حكومة تأتي ليست تغييرًا في الاتجاه، بل السير في نفس الاتجاه كما كان من قبل".

إقرأ أيضاً: التجمع العالمي لإيران الحرة في برلين: صدى صرخة الشعب الإيراني

لذلك، مع الرئيس الجديد، لا يوجد تغيير في السياسات القمعية المثيرة للحرب والمعادية للوطن خارج حدود إيران. وهذا هو نفس المسار الذي تم اتباعه في الماضي مع إبراهيم رئيسي أو حسن روحاني اللذين من نفس القماش، وسيستمر الآن أيضًا.

أما بالنسبة إلى مطالب الشعب الإيراني، يجب القول إن الرئيس الجديد للنظام إذا ادعى أنه مختلف عن السابقين منه من الرؤساء، فعليه أن يستجيب للمطالب البسيطة جدًا للشعب الإيراني، منها:

  1. إلغاء الحجاب الإلزامي وسحب الدوريات المسماة بـ"الإرشاد" لقمع النساء.

  2. إطلاق سراح السجناء السياسيين، وينبغي أن تفتح أبواب السجون أمام البعثات الأممية لتقصي الحقائق.

  3. إيقاف عقوبة الإعدام والتعذيب وإلغاء حجب الإنترنت.

  4. إلغاء ممثلي الولي الفقيه والباسيج والحرس والمخابرات وقوات الأمن من الجامعات الإيرانية.

  5. حل المحاكم القضائية المسماة بمحاكم الثورة وحل مجلس صيانة الدستور، وتجديد الانتخابات البرلمانية دون الالتزام بولاية الفقيه.

  6. ضمان مناخ الحريات، خاصة حرية التعبير والتجمع.

  7. ضمان حقوق العمال والكادحين والموظفين التربويين والممرضين والمتقاعدين بآرائهم الخاصة.

الحقيقة هي أن نظام ولاية الفقيه يعيش ظروف الإطاحة به. ورئيسه الجديد لا يريد ولا يمكنه اتخاذ أدنى خطوة على طريق التغيير. على العكس من ذلك، فإن انتخابات النظام الصورية هي بداية لتفاقم أزمات نظام الملالي القاتلة. هذا النظام ليس لديه خيار في مواجهة خطر الانتفاضات الكبرى القادمة، ولا يستطيع مواجهة آثار تجرع كأس السم لهلاك إبراهيم رئيسي وضربته التي لا تعوض لاستراتيجية ولاية الفقيه، وبسبب تورطه في مستنقع الحرب في المنطقة، سيكون الخاسر الاستراتيجي لهذه الحرب، ولن يكون قادرًا على مواجهة مشكلة الخلافة وانعدام المستقبل، وفي كل الأحوال، سيواجه الانتفاضة والإطاحة.