النظر في تأريخ يمتد 45 عاماً للنظام الحاکم في إيران والتدقيق في الأحداث والتطورات التي شهدتها السنوات اللاحقة، يشرح بمنتهى الوضوح النهج الذي اعتمده هذا النظام في التعاطي مع العالمين العربي والإسلامي، والذي يعتبر المسبب الأهم للمشاکل والأزمات التي تعاني منها المنطقة.

تشكل أربع دول في المنطقة، وهي لبنان والعراق وسوريا واليمن، نماذج حية تقدم أدلة عملية على النهج الذي يتبعه النظام الإيراني في إشعال الحروب وخلق الأزمات والفتن وإثارة الانقسام الطائفي في هذه البلدان. وتسعى إيران جاهدة لتهديد وبتزاز دول أخرى في المنطقة، بما يساهم في خلق حالة من التأزم والمواجهة الداخلية، نرى أنَّ هذه الدول بغنى عنها في الأساس، إذ لديها من المشاکل ما يکفيها، لکن خلق حالة الفوضى واللاأمن خدمت وتخدم مصالح النظام الإيراني الرامية إلى بسط سيطرته ونفوذه على المنطقة.

النظام الإيراني، الذي يزعم کذباً وزيفاً أنه يكن العداء لإسرائيل، ويدعي دعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها والسعي من أجل وحدة الصف الفلسطيني، لم يخلق لإسرائيل من المشاکل والأزمات ما خلق لدول المنطقة، وحين يدعي أنه يقوم باستهداف"الصهاينة"، فإنه إنما يستهدف شعوب المنطقة کلها عدا إسرائيل، وبالتحديد الطائفة السنية التي تقف على رأس قائمة أعداء هذا النظام، وما حصل ويحصل للسنة في العراق وسوريا بشکل خاص، يقدم دليلاً عملياً على هذه الحقيقة الدامغة، فالحروب والمواجهات التي يخوضها حرس هذا النظام ووکلاؤه في المنطقة، ليست ضد الصهاينة أو أعداء المسلمين والعرب کما يدعي، وإنما هي ضد العرب والمسلمين، کما أن الفلسطينيين لم ينالوا من هذا النظام سوى الشر والبلاء والانقسام وتعزيز التطرف الديني.

السعي لتوظيف واستغلال المسائل ذات البعد الطائفي في بلدان المنطقة، وحتى استغلال العامل الديني لأهداف وغايات مبيتة، هو نهج النظام الإيراني طوال الأعوام الماضية، وهو نهج مشبوه وخبيث غير الکثير من المفاهيم، إذ صار العدو الأساسي للشعوب متواجداً في صفوفها، ويتجلى في حالة العداء والکراهية والحقد الطائفي الذي نجح نظام الفتن والانقسام في خلقها ونشرها بين هذه الشعوب، وهي تستمد أسباب وعوامل بقائها من نتائج وتداعيات کل هذه الحالة السلبية.

الحقيقة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا دائماً ونعيها باستمرار، هي أن النظام الإيراني لن يکف يوماً عن نهجه الضار والمشبوه هذا، وساذج من يصدق يوماً بأنه سيترك هذا النهج أو يعدل عنه، لأنه، عندها، يجب أن ينصرف لأموره ومشاکله وأزماته الداخلية المتجذرة التي يعاني منها الشعب الإيراني، وعندها فإنه سيواجه نفس مصير سلفه نظام الشاه، ولذلك فإنه يفضل الهروب للأمام من خلال هذا النهج والاسلوب الطائفي المشبوه الذي يصدره لدول المنطقة، ومن هنا، فإنه وکما أکدت المقاومة الايرانية، لا يوجد من حل لهذه المشاکل والأزمات إلا بمواجهة هذا النظام وردعه وعدم السماح له بتجاوز حدوده، ولا يوجد أفضل من دعم وتأييد نضال الشعب والمقاومة الايرانية من أجل الحرية وإسقاط هذا النظام، حيث إنه خيار عملي وواقعي لا وجود لبديل فعال وحيوي يمکن أن يصل إلى مستوى وقوة تأثيره.

وفي الوقت الذي يغرق فيه نظام الملالي في دوامة التداعيات والأزمات المتسلسلة المترتبة على هذه الضربة الاستراتيجية المتمثلة في مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، فإنَّ آمال خامنئي تبخرت وتبددت، وبدأ فصل جديد في معادلة سلطة ولاية الفقیه. وبعد أن ثبت أنه يجب استهداف "رأس الأفعى" لولاية الفقيه والدكتاتورية الدينية والفاشية في طهران، فإنَّ الثورة الديمقراطية والإطاحة بالفاشية الدينية في إيران ضروريان لتحقيق السلام في هذه المنطقة من العالم.

وبينما يقاطع الشعب الإيراني مرة أخرى الانتخابات الرئاسية للملالي، ويوجه صفعة أخرى إلى خامنئي وعصابته الإجرامية مقترعاً بـ"لا" كبيرة، وفي الوقت الذي يشعل فيه أبطال وحدات المقاومة إيران بعشرين ألف ممارسة ثورية تخرق أجواء الكبت والخنق، فإنَّ نار المقاومة ستشعل جميع أنحاء الوطن المحتل، بعد أن فشلت المحاولات الرجعية والاستعمارية في مصادرة الانتفاضات وسرقة ثورة الشعب الإيراني الجديدة واختلاق بدائل مزيفة. والتجمع العالمي لإيران الحرة یوم 29 حزيران (یونیو) مترافقاً مع الاحتجاجات الضخمة للإيرانيين في برلين يعكس صدى صرخة إيران الأسيرة في جميع أنحاء العالم.