کثر الحديث وتشعب واستفاض بشأن ما سيحدث للنظام الإيراني بعد حادثة سقوط المروحية ومقتل إبراهيم رئيسي، الذي کان مقرباً من خامنئي ومعتمداً لديه أکثر من أي رئيس آخر من الذين جلسوا على کرسي الرئاسة خلال عهده کولي فقيه.

الضجة التي أثارها مصرع رئيسي، جاءت أساساً بسبب قربه من خامنئي ومن کونه واحداً من العناصر الأساسية في النظام، والذي کان مواظباً على خدمة النظام وطاعة الولي الفقيه طاعة عمياء، حتى ان خامنئي عندما قام بهندسة الانتخابات، فتح الطريق أمامه لکي يصبح رئيساً للجمهورية رغم العوائق والاعتراضات القوية ضده، خصوصاً أنه وجه مکروه شعبياً بسبب ماضيه الدموي، لا سيما کونه أحد أعضاء لجنة الموت التي حکمت بالإعدام على آلاف السجناء السياسيين عام 1988، فضلاً عن ارتكابه جرائم أخرى، ناهيك عن عدم قبوله حتى من قبل الدائرة الضيقة في الجناح المتشدد للنظام والذي ينتمي إليه، وهذا يعبر عن مدى الأهمية الاعتبارية له لدى خامنئي من جانب، ومدى الأمل الذي کان معقوداً عليه في مواجهة الأزمة العميقة التي تواجه النظام.

إقرأ أيضاً: خامنئي بين سندان الأزمة ومطرقة الثورة

رحيل رئيسي، وإن شكل ضربة قاسية جداً للنظام باعتباره ترك فراغاً لا يمکن تعويضه، لا يعني في نفس الوقت أنَّ النظام قد انتهى ولم يعد لديه من خيار آخر لمواجهة الأوضاع، إذ أن موت رئيسي سيجبر خامنئي، الذي عمل منذ أعوام خلت من أجل جعل النظام بلون واحد واتجاه واحد، على العودة حتماً إلى سياسة التوفيق بين الأمور والسعي للإمساك بالخيوط وتحريکها بما يضمن للنظام استمراره وعدم تعرضه للمخاطر، وهذا يعني أنَّ خامنئي، شاء أم أبى، سيعود إلى بداية هندسته لما قد صار النظام عليه خلال عهد رئيسي، وتلك ستکون الرحلة صعبة جداً ومحفوفة بالمخاطر، لا سيَّما أنَّ الاوضاع في إيران بشکل خاص والمنطقة والعالم بشكل عام ليست کما کانت من قبل، فهي سريعة التحرك والتغيير في نفس الوقت، وذلك ما ينعکس على المعادلات السياسية القائمة والتي لا يبدو أنَّ للنظام الإيراني من حظ کبير فيها.

منصب رئيس الجمهورية في ظل نظام ولاية الفقيه، هو منصب فقير الصلاحيات، لا يرقى إلى مستوى صنع القرار، خصوصاً إذا لم يکن شاغل المنصب خاضعاً للولي الفقيه ذاته وتابعاً له. والوجوه المطروحة على الساحة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، ليس بينها من يمکن التعويل عليه بأن يملأ الفراغ الکبير الذي خلفه رئيسي، مع ملاحظة أنَّ هذا الأخير لم يتمكن أساساً من إحداث أي تغيير مهم في الاوضاع السلبية السائدة لصالح النظام، بل ترك خلفه ترکة ثقيلة جداً لمن سيخلفه.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني ومواجهة الحقيقة

في کل الأحوال، يمکن القول إن النظام الإيراني، بعد مصرع رئيسي، سيبقى على حاله ولن يتغير النهج العام الذي يسير عليه، لکنه سيتأثر کثيراً بحيث يمکن رؤية ذلك بوضوح خلال الاشهر القادمة!

إنَّ ترکیبة المرشحین المؤهلین، إن دلّت علی شيء، فإنما علی أن كل الأمور قد أخذت بنظر الاعتبار من منظار رحیل خامنئي ومعضلة خلافته والحفاظ على النظام. ولهذا السبب لا خيار أمام مرشد النظام إلا التمادي المستمر في نهج الانكماش والتشدد الداخلي وإحداث المزید من التطهير في الداخل الإیراني والإرهاب واللجوء إلى السلاح النووي في الخارج. والأهم أنه ثبت للمرة المئة أن الأفعى لا تلد حمامة، ولم یبق أي مجال للمناورة حتی من أجل البقاء لهذا النظام والوقت یمر لصالح الانتفاضات الشعبیة لإسقاطه.