أثبتت انتخابات الأول من آذار (مارس) 2024، وبصورة قاطعة، أنها بداية تمهيدية لمرحلة جديدة يمکن تسميتها بمرحلة مواجهة الحقيقة، وأهم سماتها أنَّ الشعب الذي صار يعيش بأغلبيته تحت خط الفقر ويرزح تحت نير الظلم والممارسات القمعية والإعدامات، لم يعد يرهب النظام وإجراءاته الظالمة، لأنه، ببساطة، لم يعد لديه ما يخشاه، بعدما أضحى بصورة عامة جيشاً من الجياع والعاطلين عن العمل والمحرومين!

عودة إلی واقع العملیة الانتخابیة التي‌ شهدتها إیران، تجدر الإشارة إلی البیان الصادر عن الهيئة الاجتماعية لمجاهدي خلق الإيرانية، التي تبذل قصارى جهدها لرصد ومراقبة انتخابات النظام التي أجريت يوم الجمعة في الأول من آذار (مارس) في مختلف مدن البلاد وأقبل عليها أزلام النظام. اقترن هذا الجهد الاستثنائي من قبل مراقبي الهيئة الاجتماعية لمجاهدي خلق بأكبر قدر ممكن من التصوير بالفيديو أو التعليق الصوتي أو الملاحظات المباشرة، وفي بعض الحالات من خلال المشاركة المتعمدة في عملية التصويت للحصول على التفاصيل. وقد تم رصد 1941 مركز اقتراع، بما في ذلك المراكز الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في طهران ومدن وقرى ومناطق البلاد، بشكل مستمر من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة 24 مساءً، من أجل التحقق واختبار دقة الملاحظات والمسوحات والتقارير الواردة من مراكز الاقتراع الأخرى في 243 مدينة في 31 محافظة قدر الإمكان.

رهان النظام الايراني على الممارسات القمعية التعسفية التي يتعامل بها مع الشعب الإيراني والتي تزداد ضراوة عاماً بعد عام، ولا سيما بعد انتفاضة 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017، التي کما يبدو ومن خلال الهتافات غير المسبوقة ضد النظام وضد شخص الولي الفقيه، قد فاجأت النظام وعلي خامنئي أيما مفاجأة، فاضطر النظام لمضاعفة ممارساته التعسفية، حتى وصلت الى مستويات غير مسبوقة عند اندلاع إنتفاضة البنزين في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، عندما قام بتصفية أکثر من 1500 من المتظاهرين من المعتقلين.

الممارسات القمعية التي تضاعفت بعد هاتين الانتفاضتين، لا سيما أنَّ الفاصل الزمني بينهما، القصير نسبياً، جعل النظام يشعر بقلق بالغ، ودفع خامنئي إلى العمل بسياسة الانکماش وتقليص دائرة النظام إلى حدود غير مسبوقة، وقام بهندسة الانتخابات الرئاسية للعام 2021 بما يشمل تنصيب ابراهيم رئيسي، عضو لجنة الموت الرباعية في مجزرة السجناء السياسيين صيف عام 1988، رئيساً، في سبيل ضمان عدم تکرار انتفاضة أخرى ضده، لکن حساب البيدر والحقل لم يتطابقا عندما اندلعت انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، التي دامت لأشهر وصعقت النظام وآلمته أکثر من معظم ما سبقها.

إنَّ الانتخابات الأخیرة، شأنها شأن حوض أسماك زجاجي، أبرزت حقیقة تراجع نظام ولایة الفقیه في جمیع المجالات الاجتماعیة والسیاسیة، وفشله التام بکل تفاصیلها وحیثیاتها، حیث بلغ إجمالي عدد الناخبين في 1941 مركزاً 156597 ناخباً، أي بمعدل 81 ناخباً لكل مركز اقتراع. وكنتيجة لذلك، لا يزيد عدد الناخبين في 59 ألف مركز في جميع أنحاء البلاد عن 4,7، مليون ناخب. وهكذا، فإنَّ نسبة الإقبال بين من يحق لهم التصويت، والتي أعلنتها لجنة الانتخابات للنظام، تبلغ 8.2 بالمئة، سواء أولئك الذين أدلوا بأصواتهم بمحض ارادتهم أو كانوا مجبرين على التصويت.

نعم، هذه هي‌ الـ"لا" الکبیرة التي‌ عبر عنها الشارع الإیراني في کبری مقاطاعته لمسرحیة انتخابات الملالي‌، والتي وصفتها السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، بأنها في الواقع استفتاء وتصويت الشعب الإيراني للإطاحة بالديكتاتورية الدينية.