تُعدّ هضبة الجولان، بموقعها الطوبوغرافي الفريد، نقطة ارتكاز جيوسياسية محورية تُمثّل بُعداً أساسياً في صياغة العقيدة الإسرائيلية على المديين القريب والبعيد. إنَّ هذا التمسك بالهضبة يتجاوز كونه قرارًا تكتيكيًا، ليصبح جزءًا أصيلاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تشكيل التوازن الإقليمي وفرض معادلة الهيمنة، ارتكازاً على أبعادها الأمنية والمائية والجغرافية. فمن المنظور الجيوسياسي، يمنح الجولان إسرائيل ميزة الإشراف والتحكم على جبهة بالغة الحساسية مع سوريا، مُوفّراً ما يُشبه "العمق الدفاعي الأقصى" الذي يُعزّز قدراتها على الردع. وتكتسب هذه الأهمية حداً إضافياً في سياق المواجهة المستمرة مع المحاور الإقليمية، وتحديداً إيران وحلفائها، حيث ترى إسرائيل في سيطرتها على مرتفعات الجولان ضمانة ضد أي تحشيد أو تهديد قد ينبثق من الخاصرة السورية. وفي هذا الإطار تحديدًا، يمكن النظر إلى حقيقة أنَّ إسرائيل تُضاعف تحصيناتها لردع أي تغلغل للميليشيات الموالية لإيران، مُطلقةً تحذيرات صارمة لدمشق من مغبة الانخراط في ترتيبات تُهدد أمنها القومي.

إنَّ البعد الجيوسياسي لا ينفصل عن مساعي الهيمنة على الموارد؛ إذ تُترجم السيطرة الجغرافية إلى سيطرة مطلقة على الموارد المائية الحيوية التي تتدفق من الهضبة، وهو ما يُعد رافداً استراتيجياً لأمن إسرائيل المائي والغذائي، كما تُشير إليه الدراسات العلمية الشارحة مشاريع الاستثمار المائي في المنطقة. هذا الربط الوثيق بين التموضع العسكري والموارد الطبيعية يرفع كلفة التنازل عن الجولان إلى مستويات شبه مستحيلة في الحسابات الإسرائيلية.

وعلى الصعيد الدولي، تُجسّد المواقف الرسمية الإسرائيلية عقيدة عدم التنازل المطلق؛ فقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل قاطع أن "الجولان سيكون جزءًا من إسرائيل إلى الأبد"، على ما نشرت "الغارديان" مثلاً، وهو تأكيد يُعلي من شأن السيادة الإسرائيلية على الهضبة ويضعها خارج إطار المساومة التفاوضية. إن هذا التكريس للسيادة، الذي ترجمته إسرائيل إلى خيار لا رجعة فيه، يُستخدم كورقة ضغط دولية فعّالة لترسيخ الأمر الواقع، وتوظيفه في أجندات جيوسياسية أوسع نطاقًا في المنطقة.

من منظور مستقبلي، يمكن تصور بضعة سيناريوهات في مسار تعميق البُعد الجيوسياسي لهضبة الجولان إسرائيلياً. السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل في التأصيل الدائم للوجود الإسرائيلي عبر تكثيف الاستيطان وتطوير البنى التحتية، وهو ما يهدف إلى إغلاق أي نافذة لإعادة السيادة السورية على الهضبة، ويُحوّل المنطقة إلى قاعدة استراتيجية لا قاهر لها، كما تُبينه التقارير الدولية حول خطط مضاعفة عدد السكان في بلدات ومناطق الجولان. حتى في ظل سيناريوهات التسوية الأقل احتمالاً، كسيناريو تحويل الجولان إلى "منطقة منزوعة التهديد"، فإنَّ النفوذ الإسرائيلي سيظل هو المهيمن، مع الحفاظ على السيطرة الجغرافية والأمنية. أما السيناريو الأبعد، المتعلق بإمكانية مراجعة الوضع القانوني للهضبة، فإنه يظل رهيناً بضمانات أمنية إسرائيلية مُشددة تضمن استمرار الهيمنة على العمق الاستراتيجي والموارد المائية. تلخص أبحاث هذا الدور بتوصيف الجولان بأنه "شرفة استراتيجية" تُطل منها إسرائيل على الشرق، مما يُبرهن على استخدامه كورقة جيوسياسية متفوقة. في المُحصّلة، هضبة الجولان ليست مجرد أرض محتلة في الرؤية الإسرائيلية، بل هي منصة للهيمنة الإقليمية تضمن التفوق العسكري والتحكم بالموارد، وتُمثّل أداة جيوسياسية ثمينة، مما يجعل فكرة التخلي عنها ضرباً من المستحيل في إطار استراتيجيتها الطويلة الأمد في الشرق الأوسط.