وأنا اتصفح عناوين الأخبار العالمية على الإنترنت حول "حدث القرن" – في رأيي - وهو فرار بشار الأسد من سوريا، وإسقاط نظامه وآخر معاقل "البعث" أو "العبث" العربي، واستيلاء الثوار بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) على زمام الأمور في سوريا.. وقعت عيني على "مانشيت" لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية ما ترجمته حرفياً للعربية: "عهد جديد في سوريا بعد إسقاط بشار الأسد من قبل الثوار".
فرجعت بي الذاكرة المعاصرة إلى مانشيت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبروز الجماعات الجهادية حينها بقيادة أسامة بن لادن، حيث جاء حينها في المانشيت العريض الذي تضمن صورة مبتسمة لابن لادن ما ترجمته حرفياً للعربية: "محارب ضد السوفيت يضع جيشه في الطريق نحو السلام".
فدارت هذه الأسئلة في خلدي، وأحببت أن أشاركها القراء بدلاً من "التحليل المستقبلي" و"القطعيات" من على وقع "إنما أوتيته على علمٍ عندي"، التي يتمتع بها أغلب المحللين العرب!
هل التاريخ يعيد نفسه؟ هل من تعمل الصحافة الأجنبية على "أنسنة" موقفه بالأمس واليوم بمثل عبارات "محارب من أجل الحرية.. يقود الطريق نحو السلام.. ثوار"، ستعمل غداً على شيطنته بعبارات من مثل "إرهابي.. عصابات إرهابية.. نشر الإرهاب" لعلمها بإرهاصات "اللعبة السياسية" وتداعياتها في الغد؟ هل وجدت أميركا في هيئة تحرير الشام "طالبان جديدة"؟ والسيناريو متكامل ومتطابق بين الأمس واليوم.. حرب باردة بين أميركا وروسيا بدأت في أوكرانيا عبر استنزاف روسيا عسكرياً، وثم الإجهاز عليها سياسياً في سوريا (أفغانستان اليوم).. هل تبدأ من سوريا "اتساع خريطة إسرائيل" كما وصف ووعد ترامب؟ هل سيكذِّب أبو محمد الجولاني التاريخ وأميركا عبر قيادة جهود وطنية متعددة الأطراف لبناء سوريا كدولة مدنية تنهض كطائر الفينيق - وأصل الأسطورة من سوريا!- من رمادها الحالي؟ هل سيغلب مضمون كلامه التقدمي المطمئن جداً لكل أطياف الشعب السوري والعالم خلال مقابلته الأخيرة مع شبكة CNN على شكله السلفي؟ هل الجولاني قائد سوري وطني متجرد لمصلحة سوريا فقط؟ أم أنه "منتج معلب بأميركا" خرج من مما أسماه الصحفي الأميركي الاستقصائي تريفور آرونسون، في كتابه The Terror Factory (مصنع الإرهاب) من داخل عقلية الإف بي آي في كيفية تصنيعها للإرهاب والإرهابيين"؟
إقرأ أيضاً: فيلم "حياة الماعز".. حيلة العاجز!
وخاتمة الأسئلة.. هل تخرج من سوريا "الأعجوبة العربية السابعة"، بعد محمد نجيب (مصر)، وعبدالرحمن الأرياني (اليمن)، وفؤاد شهاب (لبنان)، وعبدالرحمن سوار الذهب (السودان)، وولد أحمد الولي (موريتانيا)، والمنصف المرزوقي (تونس).. في أن يكون سابع رئيس عربي يترك كرسي الحكم بسلام وبإرادته بعد فترة انتقالية حرجة؟
كل ما سبق أسئلة مشروعة مهمة جداً في فهم السياق القادم لتداعيات سوريا ما بعد نظام الأسد.. وحدها الأيام القادمة وأحداثها كفيلة على الإجابة عليها بدقة ووضوح.
قبل الختام، الإطاحة بنظام الأسد الذي قبع على أنفاس ومقدرات السوريين وسوريا لأكثر من نصف قرن في حد ذاته نصر كبير جداً ودعوة للتفاؤل بغد سوري مشرق، وهذا ما نتمناه لسوريا والسوريين.
إقرأ أيضاً: بلاد العرب أوطاني... من الشامِ لكيب تاونِ!
ختاما، آمل أن لا تُسقط مجدداً "القصة التراثية العربية" المألوفة على سوريا بعد أن أُسقِطت - وتحققت - قطعاً في ليبيا والعراق واليمن، وهي قصة ذلك الحاكم العربي الدكتاتور، الذي وصّى ولي عهده وهو على فراش الموت، بأن تسير جنازته في خط مستقيم واحد، وفيما إذا صادفها عائق فيقوم الابن بإزالته مهما كان العائق من بيت أو دكان أو أو.. وعندما توفى الحاكم الظالم، عمل الابن على تنفيذ وصية والده خلال سير الجنازة، فهدم عشرات المنازل والدكاكين ممن كانت تعترض خط سير الجنازة.. وهنا تصايح الناس: "رحم الله الأب كان أرحم من ابنه"!
فأرجو من الله تعالى أن لا يترحم أهل سوريا في قادم الأيام على "جحيم الأسد"، بعد أن يتكشف ضباب "نعيم الجولاني" الموعود عن "جحيمٍ آخر".. وفال الله ولا فال ليبيا والعراق واليمن!
التعليقات