يشتعل صراع العقارب في برلمان النظام الإيراني حول محمد جواد ظريف. الكتلة المسماة "الصمود" برئاسة سعيد جليلي، وتضم 50 نائبًا في البرلمان، تقدَّمت بمشروع قانون لإقالة محمد جواد ظريف من حكومة مسعود پزشكيان بأي ثمن. ويتصدر هذه المعركة الملا سعيد رسائي. اللافت أنَّ قاليباف، الذي كان حتى أيام قليلة ماضية يتخذ موقفًا حياديًا، قال أخيرًا: "نعم، يعد هذا الأمر مخالفة، بالتأكيد هناك عمل غير قانوني قد حدث، ويجب متابعة الأمر. لا شك في ذلك. والآن، إن شاء الله، ستتخذ الحكومة التدبير اللازم، ونحن بالطبع سنتابع إجراءاتنا القانونية من خلال البرلمان".
وصرّح نائب آخر قائلاً: "هل ليس لدى نوابنا أي عمل سوى ظريف؟ يبدأون به وينتهون به!".
الجميع يعلم أن ظريف دخل حكومة پزشكيان بموافقة المرشد علي خامنئي، وهو الذي يسعى الآن لتعديل القانون ليبقى في الحكومة، حيث إن خامنئي بحاجة إلى شخصية تفاوضية في الحكومة، خاصة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. پزشكيان، بدعم كامل من خامنئي، قدم مشروع قانون إلى البرلمان لشرعنة وجود شخصيات من هذا النوع داخل النظام، لكن البرلمان رفضه بـ207 أصوات معارضة، مما يعكس المواجهة بين البرلمان والحكومة.
وكتبت صحيفة "آرمان ملي": "بالرغم من التأكيدات غير المسبوقة من خامنئي على التنسيق والتعاون بين البرلمان والحكومة، رفض النواب مشروع القانون الحكومي بأغلبية ساحقة".
من جانبه، صرّح مجيد أنصاري، مساعد الرئيس للشؤون القانونية: "قال خامنئي شخصيًا لبزشكيان إنه يوافق على تعديل قانون الجنسية القسرية" لحلحلة التخلف القانوني هذا. وأكد مهدي فضائلي، عضو مكتب خامنئي، نفس الأمر.
لكن، وبالرغم من هذه التوجيهات، لم يلتزم ما لا يقل عن 207 نواب بتعليمات خامنئي. كتب النائب شهرياري: "هناك 500 شخص في النظام يشبهون محمد جواد ظريف من حيث الحيثيات". وهكذا، يستمر الهجوم على ظريف.
ولكن هناك خبايا لهذا الصراع. فعصابة سعيد جليلي، التي تسمى بكتلة "الصمود"، لم تحصل على منصب في حكومة "الوفاق الوطني" المزعومة برئاسة پزشكيان، لذا تضغط على پزشكيان بهذه الطريقة للحصول على نصيبها. يبدو أن شهر العسل بين پزشكيان والبرلمان قد انتهى، وتتعالى الأصوات في البرلمان لاستجواب حكومته.
إنَّ فهم أسباب الخلافات الداخلية للنظام وتصاعدها في الوقت الحالي يتطلب النظر في ثلاثة عوامل، في ضوء أنه ليس هناك فرق شاسع بين أجنحة النظام الإيراني:
1. تفاقم الصراع على السلطة، وكان هذا الصراع موجودًا منذ البداية وما زال يلعب دورًا محوريًا.
2. الضربات التي تلقاها النظام مؤخرًا في المنطقة وضعته في موقف أضعف، وتنعكس هذه الهزائم في داخل النظام وستؤدي إلى تراجع وانهيار قواه بسبب تغير توازن القوى.
3. الأزمات المستمرة التي يواجهها النظام وتهدد بقاءه دون وجود حلول لها، وتفرض هذه الأزمات نفسها بشكل صراعات داخلية. تتبع عصابة في النظام نهج المساومة مع أميركا، وترى عصابة أخرى في أي نوع من الانسحاب انتحارًا خوفًا من الموت.
إقرأ أيضاً: النظام الإيراني يقترب من مواجهة دولية في ملفه النووي الساخن
في السياق ذاته، تشهد البلاد حاليًا احتجاجات على الظروف المعيشية في جميع أنحاء إيران. بعد 45 عامًا من حكم النظام، لم ينفذ أي استثمار فعلي في قطاع الكهرباء أو حتى في مصافي النفط. يقول بعض القنوات الأجنبية إن إيران تستورد البنزين، وهو أمر يصعب تصديقه.
قبل أيام، قال قاليباف: "يتم تهريب ما بين 25 إلى 30 مليون لتر من المنتجات النفطية يوميًا من البلاد. ولا شك أن هذا التهريب منظم". وقاليباف على علم بأن هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا عبر الحرس الثوري ومكتب خامنئي. وأضاف قاليباف: "اليوم ليس لدينا ما يكفي من النفط لنهدد أعداءنا بعدم بيعه".
إقرأ أيضاً: سجل الاختراق في نظام إيران
من جانبه، وفي مواجهة الضغوط البرلمانية، هدد عارف، مساعد پزشكيان، قائلاً: "لسنا بصدد انتقاد أولئك الذين غابوا (مشيرًا إلى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي)، ولكن إذا استمر هذا الغبن، في الخطوة الأولى سنحذر، وإذا استمر، سنضطر للكشف عن الظروف التي تسلمنا فيها الوزارات". ويقصد عارف الحكومة التي كان يتكلم عنها خامنئي ويشيد بها.
صراع العقارب هذا لا يقتصر على ما ذُكر أعلاه، ولن يتوقف هنا. علينا أن ننتظر لنرى كيف ستظهر نتائج الهزائم الثقيلة لخامنئي في حروبه بالوكالة، سيما بعد سقوط بشار الأسد في سوريا، وعندها سيتضح مدى انهيار النظام بعمق.
التعليقات