أخيرًا، وبعد 11 يومًا من بدء الهجوم الذي شنّته القوات المسلحة على مدينة حلب في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، سقط نظام بشار الأسد فجر يوم الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وذلك بعد سيطرة القوات المسلحة على دمشق. الأحداث التي وقعت خلال هذه الأيام الإحدى عشرة كانت مذهلة للغاية. وبغض النظر عن التفاهمات التي ربما حصلت في اللحظات الأخيرة، فإنَّ القضية الحاسمة تكمن في الضربة الاستراتيجية التي تلقاها النظام الإيراني، وسأحاول توضيح ذلك من خلال التركيز على نقاط مفصلية نؤكد على أهمها وموجباتها.

النقطة الأولى:
قبل 11 عامًا، قام النظام الإيراني بإرسال قواته، والاستعانة بحزب الله، وأخذ موافقة روسيا لدعمه جواً، مما حال دون سقوط بشار الأسد. بالإضافة إلى ذلك، خانت الدول الغربية مطالب الشعب السوري بشكل كبير من خلال عدم اتخاذ أي إجراء ضد الأسد رغم استخدامه الأسلحة الكيميائية.

النقطة الثانية:
ما هي العوامل التي أدّت إلى انهيار النظام؟ أحد الأسباب الأساسية كان الظروف الموضوعية داخل سوريا. الشعب، بسبب سوء الأوضاع المعيشية وانعدام الأمن، لم يكن يرغب في بقاء نظام الأسد. ومع ذلك، فإن هذه الظروف وحدها لم تكن كافية لإسقاطه.

النقطة الثالثة:
العامل الرئيسي كان تغيّر موازين القوى الإقليمية بسبب الضربات التي تلقّاها النظام الإيراني وضعفه المتزايد. هذا ليس تصريحًا سياسيًا أو دعائيًا، ولا هو حدث عرضي أو مفاجئ، بل هو ذروة عملية طويلة بدأت منذ سنوات. النظام الإيراني استنزف جميع موارده الاستراتيجية ووصل إلى حافة الهاوية. إذا نظرنا إلى الأحداث خلال العامين الماضيين، نجد:

1. الشعب الإيراني، في سلسلة من الانتفاضات منذ عام 2016 و2018 حتى انتفاضة 2021، أظهر بأوضح صورة أنه لا يريد نظام ولاية الفقيه.

2. الشعب الإيراني عبّر عن رفضه للنظام من خلال مقاطعة انتخابات البرلمان والرئاسة، مما اضطر حتى بعض رموز النظام إلى الاعتراف بذلك.

3. أشار مسعود رجوي، زعيم المقاومة الإيرانية، إلى أنّ وفاة إبراهيم رئيسي، الذي بُنيت عليه استراتيجية البقاء للنظام، كانت ضربة لا تُعوض لخامنئي والنظام بأكمله.

4. التطورات التي حدثت خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، والحرب في غزة ولبنان، والضربات التي تلقّاها حزب الله أثّرت بشكل كبير على ضعف النظام الإيراني.

5. وأخيرًا، ازدياد الأنشطة النوعية لمعاقل الانتفاضة داخل إيران جعل سيناريو إسقاط النظام أكثر واقعية.

النقطة الرابعة:
ضعف النظام الإيراني أصبح الآن حقيقة معترف بها على نطاق واسع. حتى إذاعة "بي بي سي" الفارسية وصفت سقوط الأسد بأنه "هزيمة كبيرة للحرس الثوري الإيراني"، الذي يلعب دورًا كبيرًا في قمع المعارضة داخل إيران.

تصريحات القادة الدوليين أكدت هذا الضعف:

جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، أشار إلى أنّ عجز إيران وروسيا وحزب الله عن مواصلة دعم الأسد كان السبب وراء سقوط الأخير.

دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب، اعتبر أنّ ضعف روسيا وإيران في الوقت الراهن هو السبب الرئيسي لسقوط الأسد.

كاجا كالاس، رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وصفت سقوط الأسد بأنه "تطور إيجابي ومتوقع"، وأشارت إلى أنه دليل على ضعف روسيا وإيران.

فرانسوا أولاند، الرئيس الفرنسي السابق، اعتبر سقوط الأسد عقابًا لنظام استخدم جميع الوسائل، حتى الأكثر وحشية، للبقاء، وبمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين حاول تأخير سقوطه.

وفيما يتعلق بإيران، فإنَّ هجمات إسرائيل على حزب الله منعت الأخير من دعم بشار الأسد، وقد أدى هذا التراجع إلى تقليص نفوذ إيران وتعتبر هزيمة مذلة لها.

النقطة الخامسة:
ما حدث في سوريا لم يكن مجرد انهيار للجيش السوري. الجيش السوري كان قد انهار أساسًا قبل 11 عامًا، لكن النظام الإيراني وحزب الله تدخلا آنذاك لإبقائه قائمًا. أما هذه المرة، فحزب الله كان قد تلقّى ضربات قوية، والحرس الثوري الإيراني ونظامه باتا عاجزين عن تقديم أي دعم بسبب افتقارهما للقدرات العسكرية واللوجستية.

النقطة السادسة:
اليوم، تم قطع أذرع النظام الإيراني في لبنان وكُسر ظهر قوته الوكيلة، وتحطّم عمقه الاستراتيجي في سوريا.

النقطة السابعة:
كل من كان يروّج لفكرة "قوة النظام الإيراني المطلقة" وكان يؤكد بأنه مسيطر على أربع عواصم عربية أصبح يدرك الآن أنّ هذه التصورات كانت طفولية وغير واقعية بالنسبة للتطورات الاجتماعية. لأنه وفقًا لهذا التحليل، لا ينبغي أن يسقط أي دكتاتور في أي وقت لأن النظام الحاكم لديه دائمًا المزيد من العتاد والإمكانيات، وحتى في ميزان القوى فهو يتمتع بقوة أكثر تنظيمًا من المعارضة، في حين أن التاريخ يظهر عكس ذلك.

النقطة الثامنة:
سقوط دكتاتور سوريا ستكون له انعكاسات عديدة:

1. له تأثير إيجابي على الشعب الإيراني: يرى الإيرانيون ضعف النظام وسقوطه في سوريا كضربة كبيرة لجدار القمع الداخلي. ومهما أعلن النظام وزاد قمعه الداخلي فإنه لا يستطيع تغطية هذا الضعف.

2. تأكيد فشل الرهان على الحلول المدنية: بغض النظر عن أي توافق تم في الأيام الأخيرة، ورغم أنه لم تحدث أي معركة في دمشق، فإن سقوط الأسد لم يكن نتيجة لحلول سياسية أو نضال مدني فقط، بل كان بفعل انهيار النظام من الداخل.

3. خسارة استثمارات النظام الإيراني في سوريا: لقد ضاع استثمار النظام الإيراني على النظام السوري على مدى 45 عامًا، ومع سقوط الأسد قُطع خط الإمداد الاستراتيجي للنظام الإيراني مع حزب الله في لبنان.

4. تغير التوازن الإقليمي والدولي: تراجعت مكانة النظام الإيراني في موازين القوى في المنطقة والعالم، أي باتت العلاقات الدولية تُعاد صياغتها على أساس ضعف النظام الإيراني مقارنةً بالماضي.

الخلاصة:
ما حدث في سوريا يبرز حقيقة أنّ النظام الإيراني، خلافًا لما حدث قبل عشر سنوات، لم يستطع هذه المرة منع سقوط الأسد. هذه هي القصة بأكملها.