لا يبدو أنَّ أمور زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، سالكة في العاصمة الأميركية، واشنطن، بعد أقل من أسبوعين على الإطاحة برأس النظام السوري، بشار الأسد.
وبالرغم من الظهور المتكرر للجولاني مستقبِلًا وفودًا شعبية ودينية محلية ولبنانية، ورسمية أوروبية، ومحاولته إظهار المشهد على أنه اعترافٌ بموقع الرجل وإدارته للشأن السوري، إلا أن الصور المتداولة لا تعكس حقيقة الواقع الدولي.
ومنذ استلامه السلطة رسميًّا يوم الأحد في السابع من كانون الأول (ديسمبر)، أصبح هناك تسابق أوروبي وأميركي حول العلاقة مع حكام سوريا الجدد، فهيئة تحرير الشام موضوعة على لوائح الإرهاب، وزعيمها يتنقل وعلى رأسه مكافأة قدرها 10 ملايين دولار.
وإذا كان الموقف الأوروبي يميل نحو إزالة صفة الإرهاب عن الهيئة وقائدها، فإنَّ الأجواء الضبابية التي كانت سائدة في واشنطن حيال هذا الملف بدأت بالانقشاع لصالح الفريق الداعي إلى عدم تكرار خطأ إزالة الحوثيين عن لوائح العقوبات عام 2021.
وانقسمت واشنطن في الأيام الأخيرة بين فريقين؛ فريق رأى أن هناك ما يحتم التواصل المباشر مع هيئة التحرير وزعيمها لمعرفة رؤيته المستقبلية لحكم سوريا، وضمان أمن الأقليات والدول المجاورة لإسرائيل، وبالتالي يجب إزالتها من لائحة الإرهاب لتسهيل التواصل. وفريق ثانٍ عمل على خطين مع الإدارة الحالية والإدارة المنتخبة القادمة، مطالبًا بالتأني وعدم التسرع في تخفيف الضغط عن الجولاني، وانتظار تصرفاته وقراراته ليُبنى على الشيء مقتضاه.
حتى اللحظة، أسهمت تحركات الجولاني وقراراته في ترجيح كفة الفريق الثاني الذي وجد نفسه في موقف قوي على خلفية الانتقال السياسي الذي يشرف عليه أحمد الشرع، تحديدًا تكليف حكومة إدلب بإدارة شؤون سوريا لفترة مؤقتة مع تغييب الأقليات، والتعيينات الأخيرة التي أعلن عنها، ومحاولة القيام بما كان يفعله النظام مع السوريين عبر مقايضة الخدمات (الوقود، الماء، الكهرباء) بالابتعاد عن السياسة، وتغييب مؤسسات سورية معترف بها كجهة معارضة عن المشهد. كل هذه الأمور فتحت باب التساؤلات بشكل كبير حول الصفة التي يتحدث بها.
إقرأ أيضاً: لبنان في مأزق والحل وصاية جديدة؟
عدم استماع زعيم هيئة تحرير الشام لنصائح وُجهت إليه من قبل معارضين سوريين في واشنطن، لديهم خبرات قانونية وسياسية وعلاقات مع السياسيين الأميركيين حول كيفية التعاطي مع الفترة الانتقالية، أسهم أكثر في تقوية موقف الفريق الداعي إلى عدم سحبه والهيئة من لوائح الإرهاب. كما أن عملية الانتقال السلسة القائمة في واشنطن بين إدارتي بايدن وترامب، وطلب الأخيرة عدم التسرع بخصوص الهيئة، بحسب ما نُقل، رسمت الموقف الأميركي كما هو عليه.
الإشارات الأميركية الصادرة توحي بأن واشنطن ليست بصدد تخفيف الضغوط عن الجولاني وهيئة تحرير الشام. وأولى الإشارات كانت يوم الإثنين الفائت، حيث كان مقررًا رفع العلم السوري الجديد على مبنى السفارة في العاصمة الأميركية كخطوة رمزية، ولكن الخارجية ألغت الحدث، ولم يُرفع العلم.
إقرأ أيضاً: أخطر بنود وقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله
وجاءت الإشارة الثانية مع إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن المكافأة التي أعلنتها الولايات المتحدة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومات عن قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، الذي تصنفه "إرهابيًا عالميًا"، "لا تزال قائمة". وصحيح أن أميركا، كما الجميع، تعلم مكان الجولاني، لكن التصريح هدف إلى رفع مستوى الضغط على حاكم دمشق الجديد، والتأكيد بأن الرؤية الأميركية لما تريده في سوريا لا تزال قائمة: المشاركة وحماية الأقليات وضمان أمن الدول.
ومع الإعلان اليوم عن أن الإدارة الأميركية المقبلة للرئيس المنتخب دونالد ترامب حثت إدارة البيت الأبيض الحالية على عدم إزالة اسم "هيئة تحرير الشام" وقائدها أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، من قائمة الإرهاب في السجلات الأميركية خلال الفترة القادمة، بدا جليًّا أن آمال الجولاني بكسب اعتراف أميركي عبر إزالته من لوائح الإرهاب تواجه مطبات كثيرة. فإما القيام بمراجعة سريعة لتصحيح الأمور، أو الاستمرار في بناء قصور على الرمال.
التعليقات