المواقف والتحولات السياسية المتسارعة تشي بأن تسونامي "طوفان الأقصى" الذي جرف محور المقاومات الإيرانية وبعثر ما كان يُسمى بـ "وحدة الساحات" لن يتوقف عند محطة سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
ويمكن القول إن تحرير دمشق من الحكم الأسدي بهذه السرعة على يد قائد العمليات العسكرية ورئيس هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني، خطف أضواء المشهد وضرب أخماس المحيط السوري بأسداس أجندات الدول الغربية لجهة تعاملها مع السلطة الجديدة في سوريا.

من هنا جاء اجتماع العقبة السبت الماضي ليضع نقاط القلق الجماعي على حروف الواقع الجديد في دمشق من خلال تبني مشروع إطار لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية ديمقراطية جامعة ترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.

وسط أهازيج الفرح بسقوط رئيس بمرتبة طاغية حكم وطن الأربعين حضارة من أقبية الاستخبارات، يلتقي الجميع، عامة الشعوب قادة دول، سياسيون ومحللون حول سؤال واحد: أي سورية تطل على العالم؟

حتى الآن، يمكن القول إن التفاؤل الحذر سيد الموقف، وإن كان منسوب التفاؤل يرتفع وينخفض متأثرًا بموقف هنا أو تصريح هناك منسوب لسلطة الأمر الواقع في سوريا، خاصة فيما يتعلق بحقوق الأقليات والمرأة تحديدًا.

حتى الآن، لم يرتكب أحمد الشرع الذي يعرف عن نفسه بأنه قائد الإدارة السياسية والعسكرية التي تتولى زمام الأمور في سورية أي غلطة في المواقف الاستراتيجية، سواء تلك التي تتعلق بالبعد الداخلي أو الإقليمي والدولي، حتى أن أوساطًا شديدة الاطلاع أسرّت لي بأنها توقفت أمام "الجهة المحترفة للغاية التي تولت مهمة إعداده لهذه المهمة الوطنية الكبرى".

العالم يترقب ما هو أبعد من نزع الجولاني البدلة العسكرية، وينتظر ترجمة أقوال أحمد الشرع إلى أفعال على صفائح الدستور الجديد المفترض أن يحدد أي سورية تلك التي تطل على الشرق الأوسط الجديد.

تداعيات تسونامي "طوفان الأقصى" على أوطان "وحدة الساحات" ودفعها نحو حالة عدم الاتزان السياسي من جهة، وقيادة بيادق "هيئة تحرير الشام" - النصرة سابقًا - عملية إسقاط نظام الطاغية بشار الأسد من جهة ثانية، ألقى بالمحيط العربي لسورية في عين العاصفة. ولم تخف الدول العربية والغربية ارتياحها بسقوط الأسد، لكن خطوات التقرب من سلطة الأمر الواقع تعتريها أسئلة ترتقي أحيانًا إلى مستوى الشك.

صحيح أن الشرع قاد معركة النصر، لكن الحقيقة أيضًا أن ثمة قوى وفصائل من مشارب فكرية وأيديولوجية مختلفة كانت في الميدان، وتحديدًا القوى الكردية. فهل ستلتئم هذه القوى تحت مظلة سورية التي نأمل؟ ثم ماذا عن مصير آلاف المقاتلين من تنظيم داعش في سورية والجوار؟

من هنا كانت الأهمية القصوى لما ورد في بيان اجتماع العقبة الذي ضم، إضافة إلى دول الجوار السوري، السعودية والإمارات ومصر وقطر والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والجامعة العربية، فضلًا عن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي.

كان لافتًا موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي قال: "لا أحد يعرف النتيجة النهائية في سورية ولا من هو الطرف الفائز، لكن أعتقد أنه تركيا، وسيكون معها مفتاح الأحداث. وأنقرة استولت على سورية بطريقة غير ودية، وهناك الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة".

السؤال الكبير هنا: هل نسّقت إدارة الرئيس جو بايدن مع ترامب فيما يتعلق بتطورات الملف السوري، أم أن المنطقة أمام جملة متغيرات تُبنى على المتغيرات بعد العشرين من كانون الثاني (يناير)، موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض؟

الأيام حُبلى بالمفاجآت.