"سنغير الشرق الأوسط"؛ عبارة قالها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قبل عامين، واليوم بات يرددها بثقة أكبر. وحتى نفهم الواقع أكثر وندرك منابع تلك الثقة، علينا أن ننظر إلى إسرائيل نفسها.

ما هي حقيقة تكوين إسرائيل؟ ما نراه جلياً، رغم ما يحيطونه حولها، أنها لا تخرج كثيراً عن كونها حكومة انتداب يديرها فيلق من عدة ألوية غربية متعددة الجنسيات. وهي أحد أفرع الجيوش الأوروبية المتبقية من أرتال الحرب العالمية الأولى في قلب الشرق الأوسط. وندرك يقيناً أن القوة التي تتمتع بها إسرائيل اليوم نابعة من الدعم الغربي المستمر، وخاصة الأميركي.

تصريحات نتنياهو هي تصريحات جنرال غربي يتحدث بالعبرية. وما نراه من شكل الدولة ليس إلا غطاءً سياسياً لذلك الفيلق، وما دور اليهود فيه إلا غطاء ديني وتعويذة لإعطاء الشرعية التاريخية المزيفة أصلاً.

هذا التمحيص بالنظر مهم لتقرير الواقع وقراءة المستقبل بعيداً عن مفردات الإعلام العربي.

إدارة الأزمة في الشرق الأوسط تعني إدارة الاحتلال وإدارة المقاومة في نفس الوقت.

ومفهوم المقاومة ضد الاحتلال هو لعبة في يد بعض القوى الغربية، ويبدو أن تلك اللعبة انتهت في هذه المرحلة. لهذا تقتضي إدارة المشهد في الشرق الأوسط إشراك لاعب جديد كان في دكة الاحتياط، ألا وهو الجماعات السنية المسلحة.

وبحسب ما نراه، تم إطلاق أول دفعة في سوريا. ومن يتابع تصريحات نتنياهو ويدقق في مفرداته، يدرك أنه ضرب كل مطارات سوريا ومخازن الأسلحة الاستراتيجية فيها واحتل كامل الجولان والأراضي المحاذية له بحجة حماية حدود إسرائيل. وهذا يعني أن أي سقوط لبلد عربي محاذٍ لإسرائيل سيدفع إلى تحركات إسرائيلية مماثلة.

وكأن الصورة تقول: يتم إطلاق فلول الجماعات الإسلامية أولاً، ثم تتم مطاردتها بكلاب الصهاينة عبر البلدان العربية. المهمة موكلة لإسرائيل للتحرك بحرية.

المتأمل قليلاً في مؤشرات الواقع سيقرأ المستقبل بشكل أفضل.

إقرأ أيضاً: سوريا إلى أين؟

إسرائيل بدأت باحتلال بلدات صغيرة، واليوم نراها تتوسع بإرادتها وبقرار من "الكابينت" (مجلس الوزراء المصغر) وسط صمت غربي طبعاً. احتلال الجولان والأراضي السورية الأخرى حوله تم تبريره كما أعلنت إسرائيل بأنه حماية لحدود الكيان من الفصائل المسلحة التي سيطرت على دمشق. ولن نسأل عمن دعم تلك الفصائل وأسقط هيكل النظام، وسمح لسوريا أن تعيش حالة من الارتخاء الأمني الواسع مع غياب الجيش السوري عن أول مهامه، وهي حماية التراب السوري.

ولكن السؤال الأهم في هذه المرحلة، والذي يجب على المتابع أن يبحث عن إجابته، هو:

من البلد العربي التالي في قائمة قادة الجيش الغربي ليحتلوه؟

قيام أي فصيل مسلح مدعوم من جهة غير معروفة كفيل بإسقاط الأنظمة، وتدخل إسرائيل "لحماية حدودها"، شماعة التوسع، فتحتل ما تشاء من أراضٍ لتكمل مخططها المسبق.

إقرأ أيضاً: أسئلة المساء

قد يكون الدور القادم على الأردن أو مصر لأن شهية إسرائيل تقتضي ذلك، والدول الفاعلة الغربية معنية بتحقيق ما تريده إسرائيل.

عندما كان الحديث عن حلم إسرائيل ببناء "إسرائيل الكبرى"، كان الناس يعتقدون أنه حلم يهودي لن يسمح المسلمون أو العرب بتحقيقه. ولكن اليوم، بنظرة متشائمة، نقول إنه بات أقرب من قبل. وإنه في واقع الأمر ليس حلماً يهودياً، ولكنه حلماً غربياً استعمارياً، وأن أميركا وبريطانيا وفرنسا حريصون على تحقيقه بكل الطرق. وكل ما نراه من أحداث هو التمهيد فقط، وإدارة المقاومة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تم من خلال إيران. وانتهت المقاومة، كما نراها اليوم، مشتتة بين أكثر من وكيل. هذا عبث مقصود وقع فيه الفلسطينيون وهم ينظرون.

والقادم بات أكثر وضوحاً. بنظرة متفائلة، نرى أن العرب والمسلمين يمتلكون أكثر مما تمتلكه إسرائيل وحلفاؤها. وإن الدعم الغربي، مهما بلغ، سيبقى محصوراً جغرافياً لأن سيطرة العرب أكبر على الممرات البحرية والبرية، لو كان هناك فقط وعي أكثر بالمخاطر التي قد تزيد الأوضاع الحالية سوءاً.

إقرأ أيضاً: تباين الآراء

استعادة إدارة المقاومة لتكون في يد العرب ستنهك الغرب اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. اعتماد الفلسطينيين وبعض العرب على إيران وتركيا في إدارة المقاومة أفقدنا فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن.

فهل نستعيد ما فات أم نحافظ على من بقي؟

الغرب يدير المشهد بدعمه للانقلابات العسكرية ليأتي قائد متسلط، ثم يدعم الغرب نفسه قوى الثورة لتسقط ذلك الجنرال. مسرحية تتوالى وتتبادل الدول الغربية الأدوار فيها.

والمتابع لقرارات المملكة العربية السعودية ونداءاتها يدرك مدى حرصها على وحدة الأراضي العربية واستقرارها وأمنها، وإلى حكمة قيادتها، والدور الفاعل الذي تقوم به لتحقيق السلم في الشرق الأوسط وفي العالم. وستبقى المملكة، بإذن الله، منارة للخير والسلام يهتدي إليها من يريد أن يهتدي ويصل إلى بر الأمان.