أدى سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا إلى موجة من ردود الفعل في وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة للدولة وبين المسؤولين، مما يعكس قلقًا عميقًا بشأن تأثيره على استراتيجية طهران الإقليمية. ورغم صمت النظام الرسمي، فإن النبرة الدفاعية لوسائل الإعلام والتصريحات الصادرة عن أعضاء البرلمان تكشف عن نظام يواجه صدمة استراتيجية وتبعات محتملة.

خلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت سقوط الأسد، لاحظ المراقبون تحولًا واضحًا في لغة وسائل الإعلام الإيرانية بشأن معارضي الأسد. فبعدما كانوا يُوصفون بـ"الإرهابيين" أو "التكفيريين"، بدأت هذه الوسائل تشير إليهم بـ"جماعات المعارضة المسلحة" في الأيام التي سبقت السقوط. ومع تأكيد انهيار حكومة الأسد، تغيرت المصطلحات مجددًا إلى "ميليشيات"، مما يكشف عن تعديل محسوب في الخطاب.

نشرت وكالة "مشرق نيوز" المقربة من الحرس الثوري مقالًا بعنوان "إيران ومحور المقاومة بعد سقوط الأسد"، تناولت فيه المخاوف بجدية. وتساءلت: "ما مصير محور المقاومة بعد بشار الأسد؟ هل ستتراجع قوته؟". واعترفت بأن فقدان حليف وفيّ في دمشق يمثل "ضربة قاسية" لإيران. لكنها اقترحت استراتيجيات بديلة، قائلة: "يمكن لإيران تعزيز أجزاء من محور المقاومة، مثل اليمن أو مناطق أخرى، لضمان استمراره بطرق أخرى وتحقيق توازن القوى وفق قواعد جديدة". كما ألمحت إلى احتمالية تصعيد عسكري، محذرة من أنَّ "التغييرات في المعدات والأسلحة في إيران قد تغير قواعد اللعبة جذريًا في المنطقة".

من جهتها، وصفت وكالة "فارس" المرتبطة بالحرس الثوري فترة حكم الأسد بأنها "فرصة متبادلة" لكل من سوريا وطهران. وأشارت بأسف إلى أن الأسد لم يستمع تمامًا لنصائح إيران، قائلة: "استخدمت إيران هذه الفرصة لتعزيز محور المقاومة وتحسين الحكم في سوريا، لكن الأسد لم يولِ اهتمامًا كافيًا لتوصيات إيران بشأن الديمقراطية والدفاع الشعبي". وسعت الوكالة إلى طمأنة جمهورها، مؤكدة قدرة إيران على إعادة ترتيب صفوفها في ساحات أخرى: "في الحرب، أحيانًا توجه الضربات، وأحيانًا تتلقى الضربات. ما يهم هو الاستفادة من هذه التجارب في ساحات معارك أخرى. الساحات المتبقية لهذه الحرب - في اليمن، العراق، فلسطين، لبنان، وحتى إيران - لا تزال مفتوحة، ومع العزيمة الإلهية والنضال المستمر، يمكننا في النهاية تحقيق النصر".

إقرأ أيضاً: حرب خامنئي تسرِّع سقوطه

موقع "تابناك"، التابع للقائد السابق في الحرس الثوري محسن رضائي، كان أكثر وضوحًا في تسليط الضوء على التداعيات. وكتب: "التأثير الأهم للتغيرات في سوريا يقع على إيران ومحور المقاومة. بعد الخسائر التي تعرض لها حماس وحزب الله، فقدت سوريا، الرابط اللوجستي لهذا المحور، السيطرة". وأضاف الموقع أن خلفاء الأسد قد يتخذون موقفًا عدائيًا تجاه حزب الله، محذرًا: "حتى الآن، كان الأسد يدعم حزب الله، لكن في المستقبل قد تصبح الحكومة السورية عدوًا له، مما سيؤثر على ديناميكيات القوة في لبنان".

أما في البرلمان، فقد عكست ردود الأفعال هذه المخاوف، حيث دعا النواب إلى مناقشات عاجلة. وطالب النائب عن طهران حميد رسايي بجلسة مغلقة، قائلًا: "يحتاج البرلمان إلى معلومات محدثة وواضحة بشأن المنطقة". كما أبدى محمد تقي نقدعلي انتقادًا نادرًا، مشيرًا إلى أن حتى الموالين للنظام ينضمون إلى صفوف المعارضين: "التطورات الإقليمية الأخيرة تقدم درسًا: يجب أن نركز على القضايا الأساسية لشعبنا. اليوم، حتى أكثر الشخصيات ثورية غير راضية عن نهجنا. متى سنلتفت إلى المخاوف الاقتصادية للناس؟".

إقرأ أيضاً: تهديدات إيران النووية: محاولة يائسة لتغطية رعبها من الضغوط

وفي تحليل أعمق، انتقد موقع "عصر إيران" حكم الأسد مع توجيه تحذير ضمني إلى قيادة النظام الإيراني لتجنب نفس المصير. وجاء فيه: "قد يقول البعض إن الأسد كان ضحية مؤامرات خارجية بسبب دعمه للمقاومة. ورغم صحة ذلك جزئيًا، فإن الحقيقة هي أن ضعف الروابط بين الحكومة وشعبها يشجع الفاعلين الخارجيين. إذا واجهت دولة عداء خارجيًا كبيرًا، أليس من الحكمة على الأقل التصرف بحكمة ومعاملة شعبها برأفة لضمان بقائها؟" واختتم الموقع بتحذير صارخ: "تجاهل الشعب وآرائهم ومطالبهم هو أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه أي حكومة. فعل الأسد ذلك، مما قاد بلاده إلى الخراب وألحق به العار".

وفي محاولة لرفع الروح المعنوية، خاطب مجتبى حسيني ديباجي، رئيس مكتب ممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري بمحافظة مركزي، أفراد الحرس الثوري في زرندية. وقال: "التقدم الأخير للإرهابيين التكفيريين في سوريا يذكرنا بهجوم مجاهدي خلق بعد وقف إطلاق النار، الذي تم سحقه في النهاية في عملية مرصاد الحاسمة. وبفضل الله، سيلقى الإرهابيون التكفيريون المصير نفسه، وستُدمر مخططاتهم".

إقرأ أيضاً: حرب النظام الإيراني: من شوارع المنطقة إلى شوارع طهران

لقد كشف سقوط الأسد عن نقاط ضعف طهران في لحظة حرجة. ورغم محاولات وسائل الإعلام الحكومية إظهار الصمود، فإن خطابها يكشف عن نظام يشعر بقلق عميق من التأثير الاستراتيجي والرمزي لإزاحة الأسد. الخوف لا يتعلق فقط بفقدان حليف رئيسي، بل بالرسالة الأوسع التي يرسلها ذلك إلى شعب يعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية وسياسية. وبينما قد تحاول طهران إعادة ترتيب صفوفها وتغيير السردية، أصبحت الشقوق في استراتيجيتها الإقليمية واستقرارها الداخلي أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.