القصائد في العصر الجاهلي كانت تبدأ بالرثاء والبكاء على الأطلال والدمن، والسعي لاستذكار الماضي والندم والحسرة عليه. وما يحدث في إيران حاليًا، بعد سلسلة الضربات النوعية التي تعرض لها النظام الإيراني، سيجعل حال النظام كحال امرؤ القيس عندما قال في صدر معلقته:

قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

لكنَّ النظام، وبخلاف البكاء الرومانسي لامرئ القيس، سيبكي بحرقة ويشعر بكآبة لم يسبق له أن شعر بمثلها طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية. وسر هذا البكاء والكآبة وسببهما أن ما جرى للنظام أمر واقع لا يمكن تغييره أو تبديله، تمامًا كما قال أبو العلاء المعري:

تحطمنا الأيام حتى كأننا

زجاج ولكن لا يعاد له سبك

يبدو أن خامنئي قد فهم هذه الحقيقة المرة واستوعبها، ولأنه يدرك استحالة عودة تلك الأيام التي كان فيها حرسه والميليشيات التابعة له يسرحون ويمرحون في سوريا، وأنها قد ولّت إلى غير رجعة، فإنه يتخوف من التحليلات داخل إيران نفسها بشأن ما جرى في سوريا وتأثيراته على النظام. ويظهر ذلك جليًا في تهديده الواضح بقوله: "إذا تحدث أحدهم في تحليل أو بيان عن أمور تشعر الناس بالخيبة أو القلق، فهذا يعد جرمًا ويجب ملاحقته. بعضهم يسعى إلى تخويف الرأي العام، ويجب ألا يحدث هذا".

إقرأ أيضاً: الأرنب العراقي في انتظار خامنئي

هكذا خطاب هو خطاب من يجلس على كرسي مهزوز ويتخوف من انكسار قائمة من قوائمه فينهار به. لا سيما أن سقوط بشار الأسد يعني تحطم الحلم الإيراني في سوريا وذهاب ما لا يقل عن 6 آلاف من حرسه الثوري وعشرات الآلاف من الميليشيات الموالية له، إلى جانب عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما يؤلم خامنئي كثيرًا، ولا يجد مواساة سوى بتحميل تبعات ما حدث في سوريا على عاتق الجيش السوري بقوله: "في سوريا، قاسم سليماني درّب مجموعة من عدة آلاف من الشباب، أعدهم وسلحهم ونظمهم، وقفوا في وجه التحديات. إذا أظهر الجيش السوري ضعفًا فهذا أمر لا يعول عليه من طرفهم، وقد حصل هذا الأمر للأسف".

هنا أود أن أذكر خامنئي بأن ما حدث في سوريا هو صورة طبق الأصل لما حصل في إيران أيام الثورة الإيرانية، التي أبى فيها الجيش أن يحارب الشعب الثائر. لكن هل هناك في داخل النظام الإيراني من يجرؤ على ذكر هذه الحقيقة؟

إقرأ أيضاً: أميركا وترامبها.. مالئة الدنيا وشاغلة العالم

خطاب خامنئي، الذي جاء ليبدد حالة القلق والوجوم التي سادت داخل الأوساط المختلفة للنظام، شمل تعبيرًا ناقض ما سبق أن أكد عليه قادة النظام طوال الأعوام السابقة، من أن سوريا أيام نظام الدكتاتور الأسد، إلى جانب وكلائه في المنطقة، شكلت العمق الاستراتيجي الذي عوّل عليه النظام الإيراني أيما تعويل. وحتى إن خامنئي نفسه أكد مرارًا أنهم يقاتلون في شوارع دمشق وبغداد وغيرها كي لا يقاتلوا في طهران وأصفهان. إلا أن خامنئي، وكمن يقوم بشطب كل ذلك بجرة قلم واحدة، قال: "بعض المحللين الجهلة الذين لا يفهمون معنى المقاومة يظنون أن إيران ستضعف مع ضعف المقاومة. لكن أؤكد لكم أن إيران قوية ومقتدرة وستصبح أقوى".