مالئ الدنيا وشاغلها.. قالها ابن رشيق في المتنبي لما حظي به من اهتمام ومتابعة وتأثير في وقتها. واليوم سمحت لنفسي بسحب هذا القول على الولايات المتحدة التي برزت كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تدرجت لتصبح القوة الأعظم في العالم. وهي لم تزل كذلك بالرغم مما يُذكر ويُقال بشأن تراجعها وبروز الصين، ولا أقول روسيا الغارقة في الوحل الأوكراني؛ أميركا ما زالت في عزّ تألقها ولا زالت مركز الاستقطاب الأهم في العالم كله.

أميركا، التي نالها شيء من الوهن خلال عهد الرئيس المنصرف جو بايدن، جاءت الانتخابات الرئاسية لتؤكد للعالم كله أنها القوة الأعظم، وأن ما يحدث فيها يهم ويمسّ العالم كله، بما فيه الصين التي باتت أقلام عربية تهيم بها وجداً بانتظار أن تزيح أميركا وتحل محلها. ولكن المتابعة العالمية المكثفة لهذه الانتخابات وللرئيس المنتخب دونالد ترامب المثير للجدل، قد أكدت بأن الأمر ليس كذلك، وأن أميركا ما زالت قطب الرحى.

لئن كانت الانتخابات الرئاسية تشغل العالم كله على مر العقود السابقة، فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا شغلت الانتخابات الرئاسية بين ترامب ونائبة الرئيس المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس العالم بالصورة الاستثنائية الحالية؟ قطعاً إن السبب مرتبط بترامب وليس بهاريس؛ ترامب أو "اليانكي الأميركي" العائد إلى البيت الأبيض برغم كل تلك الأشواك والعراقيل والمؤامرات المتباينة التي واجهها. ترامب الذي يقول إنه يحمل في يديه مفاتيح الأبواب المغلقة في إيران وأوكرانيا والصين ذاتها!

إقرأ أيضاً: واحسرتاه على عهد ترامب!

كتبت في "إيلاف" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، مقالاً تحت عنوان "ترمب حتى لو ذهب فهو باق!" ثم كتبت في "إيلاف" مقالاً آخر أيضاً بنفس السياق تحت عنوان "ترامب سيعود"، وهو عاد فعلاً. والملفت للنظر أنه مع إعلان النتائج، بدأ سعر تبادل التومان الإيراني أمام الدولار عند نقطة 70 ألف تومان، وفي ذلك أكثر من عبرة ومعنى، وسوف نرى معاً خلال الأيام والشهور القادمة كيف ستعود أميركا بقوة أكبر وأمضى إلى مختلف ساحات الأحداث، خاصة إلى ساحة ملالي إيران، وكيف ستسير الأحداث بصورة مختلفة عن التي كانت تسير في عهد الرئيس الضعيف والقلق وغير الحازم بايدن. ذلك أن ترامب، أو "المغامر الأميركي" الذي ينطلق دونما اكتراث لما خلفه من أجل تحقيق أهدافه، وكما أثبت بأنه رجل الساعة، فإنه سيكون حتماً في مستوى الأحداث.