کثرت الکتابات التي ترکز على إن أمريکا إنتهت وإن عهدها قد ولى وإن قوى أخرى نظير الصين هي من ستحل محلها بل وحتى ذهب البعض أبعد من ذلك عندما طفق يشير وبثقة کاملة من إن دور وتأثير السياسة الامريکية على الصعيد الدولي عموما وعلى صعيد الازمات خصوصا قد تضاءل وفي طريقه للأفول، لکن الذي يبدو واضحا وخصوصا من خلال المتابعة غير المسبوقة للإنتخابات الرئاسية في أمريکا والعيون المحدقة بمن سيکون في البيت الابيض للأعوام الاربعة القادمة، تدل على العکس من ذلك تماما، ذلك إنه لو لم يکن لهذا البلد ذلك الدور والتأثير على الصعيد الدولي لما کان مثل هذا الاهتمام أبدا.

دونالد ترامب، ذلك الرجل الذي أثار الاهتمام العالمي به الى أبعد حد لأنه جسد نمط جديد في الرئاسة الامريکية جمعت الکثير من الصفات والمميزات التي لاتليق إطلاقا إلا بذلك اليانکي الممتطي لصهوة جواده وهو ينطلق مغامرا ومجازفا ويرتکب الحماقات والبطولات بنفس الروحية والاندفاع، وقد کان ترامب وخلال الاعوام الاربعة المنصرمة التي أمضاها في البيت البيضاوي کذلك حقا، لکن ومع کل الذي قام به ترامب، فإنه ومع ذلك نجح في تحقيق أهم أمر بالنسبة للأمريکيين وهو تحسين الاوضاع الاقتصادية وإزدهارها ولو لم تکن جائحة کورونا لکان لترامب الان شأنا آخرا.

أکثر مالفت النظر في ترامب وهو أمر قد لايمکن أبدا لمسه في بايده خصوصا إذا مانجح وتربع في البيت الابيض، هو إن الاول صريح الى حد أن يذهل مقابله حتى إنه يمکن وصف صراحته بالفجة، على عکس من سبقوه وبايدن نفسه الذين يخفون أمرا ويظهرون خلافه أو حتى يجاملون على حساب الحقيقة، وإن الموقف الامريکي من اسرائيل عموما والقضية الفلسطينية خصوصا هو موقف شئنا أم أبينا يرتبط بالعلاقات الامريکية ـ الاسرائيلية والمصالح المشترکة بينهما ودور وتأثير اللوبي اليهودي في واشنطن، وعلى مر العقود المنصرمة کانت الکفة دائما مرجحة لصالح اسرائيل وستبقى حتما کذلك حتى لو جاء بايدن، لکن ترامب إختصر الطريق وجعل الجميع على حين غرة أمام الامر الواقع، مع ملاحظة مهمة جدا يجب الانتباه لها هنا وهي إن السياسة الامريکية بالنسبة للشرق الاوسط ومنذ حرب حزيران 1967 وحتى الان قد حققت أهم أهدافها وإن من يدقق في المآل الذي وصلت الاوضاع والامور إليه يکتشف هذه الحقيقة بسهولة.

ترامب الذي رکز کما لم يرکز أي رئيس أمريکي آخر على إيران الملالي وجعلها هدفا استراتيجيا له الى الحد الذي يمکن القول فيه إن النظام الايراني يبدو مترنحا وهو يتابع الانتخابات الرئاسية ولسان حاله يلهث بالدعاء من أجل فوز بايدن على أمل عودة ربيع أشبه بذلك الربيع الاوبامي، ولکن الحقيقة التي نجح ترامب في غرسها في العقول والنفوس إن نظام الملالي يشکل وبحق خطرا على الجميع دونما أي فرق، وإنه لعب ويلعب على الاختلافات ويستغل الثغرات ويتحين الفرص وينتهزها، ولأن ترامب قد سد کل تلك المجالات على ملالي إيران فقد ظهروا على حقيقتهم وإنکشف حجمهم الحقيقي ومدى الضعف الذي يعانون منه وحتى إن قتل قاسم سليماني بتلك الجرأة والجسارة اليانکوية والرد الايراني الهزيل جدا على ذلك قد فضح حقيقة بالون الکذب الذي ينفخ الملالي فيه منذ أربعة عقود، ولعل أهم مايٶذي ملالي إيران ويقض من مضجعهم إن مافعله ترامب بحقهم قد جاء تجسيدا لمطلب دائما ماأکدت عليه زعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي، من إن"الحزم والصرامة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها نظام الملالي"، وخلاصة القول، إن ماقد زرعه ترامب خلال الاعوام الاربعة الماضية فيما لو تسنى خسارته وهو إحتمال نستبعده، فإن بايدن لن يتمکن أن يتصرف بسياق واسلوب يتعارض مع ذلك وهو الامر الذي سيثبت بأن ترامب حتى لو ذهب فهو باق!