قبل سقوط نظام بشار الأسد، كان هناك تصور يركز على أن سقوطه سيفتح بابًا على بلدان المنطقة، لا سيما الآمنة منها، لا يمكن إغلاقه بسهولة. هذا التصور يشابه تمامًا ذلك الذي قام النظام الإيراني بتسويقه قبل أعوام في حال سقوطه، إذ أوحى بأنه سيكون هناك فراغ كبير يتسبب بحالة من الفلتان الأمني تنعكس سلبًا على بلدان المنطقة. ومن الواضح جدًا أن التشابه بين التصورين يؤكد أن مصدرهما واحد، وهو النظام الإيراني ذاته.

مع سقوط نظام الأسد، تبين أن هذا التطور من حيث تأثيراته وتداعياته على بلدان المنطقة لم يكن بتلك الصورة التي أوحت بها طهران من قبل، لا سيما بعد أن سعت للمراهنة على أن بقاء نظام الأسد في صالح أمن واستقرار المنطقة. حتى أنها، وبصورة أو أخرى، ومن خلال لوبياتها في البلدان الغربية، زرعت اعتقادًا بأن بقاء الأسد أفضل من رحيله بالنسبة إلى المنطقة والمصالح الدولية فيها.

تسويق النظام الإيراني للتصورين المذكورين هو في الحقيقة من أجل المحافظة على نفسه، لأنه كان يعلم جيدًا أن سقوط الأسد سيفتح ثغرة كبيرة جدًا في المحور الذي فرضه على المنطقة، والذي خصصه أساسًا لتصفية حساباته وتحقيق أهدافه وحتى القيام بابتزازاته، خاصة لكونه كان يدرك حينها أن سقوط الأسد سوف يساهم في قطع طرق إمداد حزب الله بالأسلحة، وبالتالي إضعافه. لكن الذي فاجأ النظام الإيراني وأذهله هو أن ما جرى لحزب الله لم يكن مجرد إضعاف بل أشبه بالإقصاء، مما فتح الطريق بشكل كبير لسقوط الأسد.

إقرأ أيضاً: أطلال خامنئي

ما آل إليه الحال مع حركة حماس، ومن ثم حزب الله، وصولًا إلى سقوط الأسد، ليس فقط نهاية للمحور الذي أقامه النظام الإيراني، بل فتح أكثر من باب غير آمن على هذا النظام، وجعله لأول مرة في حالة يرثى لها من حيث التناقض والتخبط في تصريحات قادته ومسؤوليه، مما يجسد حالة التوجس من المستقبل الأقرب إلى المجهول الذي ينتظر النظام.

سقوط الأسد ليس بتلك السهولة والبساطة التي أوحى بها قادة النظام الإيراني، لا سيما خامنئي، خصوصًا عندما قاموا بتسويق عبارات إنشائية فضفاضة تغرق في بحار التمنيات والآمال الخيالية. إذ أن نظام الأسد كان بمثابة صمام أمان لطهران على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية، وانفجار هذا الصمام يعني أن طهران ستفقد بالنتيجة القهرية قدرة المناورة والتأثير، بل وحتى إنها تنقلب من لاعب أساسي فيما يتعلق بالملف السوري إلى مجرد متفرج عادي!

سقوط نظام الأسد إيرانيًا يعني فتح باب مساءلة النظام عن عشرات المليارات التي أُهدرت في رهان ثبت بطلانه، وحسابات بنيت على أسس فاشلة. إقليميًا، يعني تلاشي الغول الذي كان مسلطًا كسيف ديموقليس على بلدان المنطقة. ودوليًا، يعني أن النظام فقد الورقة الإقليمية التي كان يلعب بها خلف الأبواب المغلقة لتقليل الضغط المسلط عليه.

إقرأ أيضاً: البديل في إيران من أسَّس لثقافة المقاومة

هذه الحالات الثلاث، لو تأملناها مليًا، نجد أنها معًا تغير موقع ومكانة النظام الإيراني، وتكاد تعيده إلى البدايات. إذ لم يبق له ذلك الامتداد الاستراتيجي السابق المحاذي للحدود مع إسرائيل، خاصة بعد أن أصبح معلومًا أن حماس وحزب الله باتا خارج اللعبة تمامًا. ولهذا الأمر معنى مرعب بالنسبة إلى النظام الإيراني، إذ لا يشبه فقط إهداره عشرات المليارات على بقاء نظام الأسد، بل إهداره مئات المليارات لجعل النظام في الموقع والمكانة التي كان عليها قبل سقوط الأسد. وهذه حقيقة مهمة لا يمكن التغطية والتستر عليها طويلًا، لا سيما أن الأنظمة الدكتاتورية، والنظام الإيراني في مقدمتها، إذا ما فقدت هيبتها وأسباب قوتها، تنهال عليها الانتقادات كالطل حتى تكاد تشبه ذلك الثور الذي سقط وحوصر بالجزارين!

الدرس الأهم من سقوط نظام الأسد بالنسبة إلى النظام الإيراني، والذي يعتبر أيضًا المشكلة الأهم، هو أن المعارضة السورية، التي طالما تم التحذير منها إقليميًا ودوليًا ونقصد بالفصيل الأبرز فيها أي هيئة تحرير الشام، والتي لعب وراهن عليها النظام الإيراني سلبًا، تبين أنها لم تكن كذلك. بل إنها كانت، ولحد الآن، على درجة ومستوى عال من الإحساس بالمسؤولية.

إقرأ أيضاً: إيران.. تغيير حقيقي أم عودة للدكتاتورية؟

هذا الأمر يدعو إلى تركيز النظر مجددًا على المعارضة الإيرانية ضد النظام والمتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والتي سعى ويسعى النظام الإيراني للتمويه عليها والتقليل من دورها وتأثيرها. وفي الوقت الذي أثبتت هذه المعارضة دورها وحضورها وتأثيرها ليس فقط في داخل إيران وإنما في مختلف المحافل الدولية، أظهرت جدارتها لتكون البديل لهذا النظام. خاصة أن لها برنامجًا سياسيًا واضحًا جدًا، مؤمنًا بالحرية والتعايش السلمي وحقوق الإنسان والأقليات وعدم التدخل في شؤون الآخرين، والمساهمة في استتباب السلام والأمن في المنطقة والعالم.

وبالعودة إلى الأوضاع القلقة والمتوترة في إيران، فقد آن الأوان لإعادة النظر في معظم الطروحات والتصورات ذات الصلة بهذا الموضوع والصادرة عن النظام الإيراني، ورميها في أقرب سلة للمهملات.