شغلت مدينة جرمانا بريف دمشق، وقبلها ولا تزال محافظة السويداء في الجنوب السوري، الإعلام والرأي العام العربي والدولي في الأيام الماضية بعد الاشتباكات المحدودة التي وقعت بين فصائل محلية في المدينة، جرمانا، وجهاز ما يُعرف باسم الأمن العام التابع للسلطات السورية الجديدة.

وفي حين بات يُنظر إلى حوادث الاشتباكات المحلية في سوريا بعد سقوط النظام على أنها أخبار عادية، تميز الحدث في جرمانا بتغطية إعلامية كثيفة، فكبريات الصحف العالمية كتبت عن الحدث، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص جهوزية جيشه للدفاع عن المدينة.

وكي يُعطى الحدث حيزاً أكبر ويصبح مادة إعلامية مثيرة، بدأت الألسن تربط بين تصريحات نتنياهو وجهوزية جيشه، وبين رغبة درزية في السويداء وجرمانا بالانفصال عن سوريا، وإنشاء دولة درزية مدعومة من إسرائيل تكون مقدمة لتطبيق مشروع الأخيرة المرسوم لسوريا بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد.

ولأنَّ موضوع ولادة الدولة الدرزية يستوجب الزج بأسماء لها وزنها في الشرق الأوسط داخل الطائفة الدرزية لتدعيم المزاعم والشائعات، بدأ التداول باسمي رئيسي الهيئة الروحية للموحدين في سوريا وإسرائيل، الشيخين حكمت الهجري وموفق طريف، على اعتبارهما يشكلان حجر الزاوية، وزاد الطين بلة تصريحات الوزير السابق وليد جنبلاط بخصوص دروز إسرائيل، وصولاً إلى القول: "إنَّ الصهيونية تستخدم الدروز جنوداً وضباطاً لقمع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، واليوم يريدون الانقضاض على جبل العرب".

إقرأ أيضاً: مشاكل أحمد الشرع والسويداء سببُها الجولاني

الصورة التي حاول جنبلاط رسمها عن دروز إسرائيل كانت مضحكة مبكية في آن معاً، فمن جهة صوّرهم وكأنهم يشكلون النواة الصلبة في الجيش الإسرائيلي، وأكثرية في صفوف الجنود والضباط، وكأنَّ الجيش لا يضم في صفوفه من المكونات الأخرى كالسنة والمسيحيين والشركس، ومن ناحية ثانية أراد تحميلهم زوراً مسؤولية ما يحدث في الضفة وغزة باعتبارهم أدوات لإثارة "نقزة" وحساسية بينهم وبين النسيج الفلسطيني والعربي، كما ضرب في العمق فريضة درزية توحيدية أساسية تتعلق بحفظ الإخوان أينما وجدوا.

واقع العلاقة بين الدروز في إسرائيل والفلسطينيين في مكان آخر مختلف تماماً عما يُنشر ويُحاول التسويق له، فمنذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لعب الدروز دوراً كبيراً في احتضان الآلاف من الفلسطينيين والمساهمة في بقائهم في أرضهم عبر استضافتهم في بلداتهم وقراهم في المرحلة الصعبة التي مرت بها البلاد، وحالياً فلتُسأل السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس (أبو مازن)، ومحافظو محافظات الضفة الغربية - بحكم قربها الجغرافي من تواجد الدروز - وقياداتها عن الدروز ورئيسهم الروحي هناك والدور الذي يلعبونه، حيث لرئيس السلطة مواقف كثيرة تشيد "بالشيخ موفق طريف، وعمله لتعميق أواصر الأخوة بين الأهل وأبناء الشعب الواحد، وعمق العلاقات الأخوية التي تربط الشعب الفلسطيني بأبناء الطائفة المعروفية الدرزية، وحرص القيادة الفلسطينية على تعزيز هذه العلاقات بين أبناء الشعب الواحد"، فإذا كانت هذه مواقف الممثل الشرعي - السلطة - للشعب الفلسطيني، فأين المشكلة بين الدروز والفلسطينيين؟

إقرأ أيضاً: الجريء والجميلة في أميركا يصدمان أحمد الشرع

وبالعودة إلى الدولة الدرزية المزعومة، فالتاريخ يشهد أن ولاء الدروز يكون للدولة التي يتواجدون فيها، سواء كانت هذه الدولة لبنان أو سوريا أو الأردن أو إسرائيل وحتى أميركا، ولذلك من غير المعروف لماذا يتم تصويرهم وكأنهم انفصاليون، علماً بأن الشيخين اللذين تم التداول بأسمائهما في الإعلام على أنهما يدفعان باتجاه هذا الأمر والمعني هنا الشيخ طريف، والهجري، كان لهما موقفان في الأيام الأخيرة بخصوص هذا الملف، حيث أكد رئيس الهيئة الروحية في إسرائيل على "موقف الدروز الداعم لوحدة الدولة السورية، بعد أن كانوا على مر التاريخ ولا يزالون حتى اليوم، إحدى مركبات سوريا الأساسية منذ تأسيسها"، مُناشداً "دول العالم بالعمل مع الدولة السورية لصون حقوق كافة الشعب السوري، وإشراكهم جميعاً في بناء الدولة المتشكلة، دون أي إقصاء أو تهميش"، بينما قال الشيخ الهجري: "إن مشروع الدروز وطني سوري يدعو لوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وأن من يغرد خارج هذه الأفكار لسنا بصدد النقاش معه".