ليس تفصيلًا أن يخرج سيباستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس وكبير مديري مكافحة الإرهاب في الإدارة الجديدة، بتصريح وُصف بالجريء حيال الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، والتشكيك في قدرته على إدارة الحكم في سوريا الجديدة.
وفي الوقت الذي يميل فيه قادة الدول الأوروبية الكبيرة إلى بذل محاولات حثيثة لفتح صفحة جديدة مع أحمد الشرع كرئيس لسوريا، من دون الخوض في ماضيه الجهادي، جاءت تصريحات غوركا، وقبلها مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، لتقرع جرس الإنذار في دمشق. فمن دون مباركة أميركية للحكم الجديد، ستتسم الأوضاع بالصعود والهبوط في الفترة القادمة.
أحمد الشرع يدرك أكثر من غيره أن رفع العقوبات الأميركية وإزالة رموز الحكم من لوائح الإرهاب توازي كل اللقاءات والاتصالات التي يجريها مع زعماء العالم، والزيارات التي قام وسيقوم بها، لأن هذه الخطوة من شأنها أن تفتح الباب أمام قدوم الشركات الكبرى، وتاليًا الاستثمارات وتدفق الأموال، مما يمكّنه على الأقل من دفع الرواتب التي وعد بها وتأمين إعادة بناء الاقتصاد في بلاده. ومن دونها، سيسوء الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر بسبب ارتياب وحذر الدول الراغبة في تقديم الدعم، والشركات التي تتطلع إلى الاستثمارات، مما قد تحمله قادم الأيام.
إقرأ أيضاً: الدروز "موفقون" بالشيخ موفق
وفي حين يبذل اللوبي المؤيد للحكم السوري الجديد جهودًا كبيرة في محاولة إقناع دوائر واشنطن، سواء في الكونغرس أو البيت الأبيض، برفع العقوبات لانتفاء الحاجة إليها مع سقوط نظام بشار الأسد، بحسب رأيهم، جاءت تصريحات سيباستيان غوركا لتكشف إلى حد ما نظرة الإدارة الأميركية الأولية إلى أحمد الشرع وإدارته الجديدة. فكبير مديري مكافحة الإرهاب، المقرّب جداً من ترامب، تطرّق بشكل مباشر إلى تقييم الرئيس السوري، مذكرًا بماضيه، وطارحًا تساؤلًا يميل بدرجة كبيرة إلى تولّد قناعة بعدم إمكانية تحوّل زعيم جهادي ناجح، بحسب اعتباره، إلى شخصية ديمقراطية داعمة لحكومة تعددية، ومشككًا في الوقت نفسه بقدرته على حكم سوريا، باعتباره غير مسيطر على كامل مساحتها.
الموقف الأميركي من الشرع وجماعته اتسم بالحذر منذ سقوط بشار الأسد، فإدارة بايدن فضّلت عدم إصدار موقف تأييد له، وفضّلت ترك الملف السوري إلى إدارة الرئيس الجديد، دونالد ترامب، كي لا تقع في الخطأ الذي وقعت فيه مع جماعة الحوثيين في اليمن. كما صمّت آذانها عن كل الدعوات التي وُجّهت إليها من أجل رفع العقوبات، باستثناء إبلاغ الشرع بإزالة مكافأة العشرة ملايين دولار عمن يبلغ عن مكانه.
إدارة ترامب الحالية ترى الواقع السوري بعين إسرائيلية من جهة، وعين أميركية من جهة أخرى. وبالتالي، فإنَّ التعاطي مع الحكم الجديد والاعتراف بشرعيته من عدمه يرتكز أولًا على مصلحة تل أبيب بسبب ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والمصلحة الأميركية المتعلقة بمصالحها في الشرق الأوسط، إضافة إلى الملفات التي تنادي بها، وأبرزها حماية الأقليات وضرورة إشراكها في الحكم.
إقرأ أيضاً: هل يسقُط الجولاني في امتحان السويداء؟
إسرائيليًا، بات من الواضح أن صدمة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أيقظت الإسرائيليين فعليًّا على ما يعتبرونه خطورة تحكّم الحركات الإسلامية في الدول المجاورة. وعاد بهم الزمن أكثر من عشر سنوات إلى الوراء، عندما تولى محمد مرسي رئاسة مصر. فصحيح أن حماس تتلقى دعمًا إيرانيًّا كبيرًا، ولكن الفترة التي شهدت طفرة في تعزيز ترسانتها التسليحية في غزة، وحصولها على المواد اللازمة للتصنيع وكل ما احتاجته، كانت في عهد محمد مرسي، الذي فتح أوتوسترادًا لحماس يبدأ من طرابلس الغرب ويصل إلى غزة، ويشبه إلى حد كبير الطريق الاستراتيجي الذي اعتمد عليه حزب الله في لبنان، والذي امتد من إيران إلى العراق فسوريا وصولًا إلى بيروت.
وإذا كانت حماس المحاصرة في قطاع غزة قد فعلت ما فعلته في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فكيف سيكون الحال إذا تولّت حركات إسلامية مشابهة مقاليد السلطة في سوريا، وتمكنت من بسط سيطرتها وإخضاع الجميع لسلطتها، واضعة خلفها مقدرات دولة غنية قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي، وتمتلك حدودًا مع إسرائيل أطول من تلك التي تمتلكها الأخيرة مع قطاع غزة؟
أما فيما يتعلق بأميركا، فالإدارة الجديدة، خصوصًا فريق الخارجية والدفاع والأمن القومي والاستخبارات الوطنية، تمتلك موقفًا متشددًا ضد الجهاديين، بغض النظر عن مذهبهم، وعلى رأسهم ماركو روبيو، وبيث هيغسيث، ومايك والتز، وتولسي غابارد، وغوركا نفسه. هؤلاء جميعًا يدركون صعوبة تحوّل القادة الجهاديين إلى معتدلين، وحتى في حال توقّف شخص جهادي لإعادة قراءة الواقع ونجح في الانتقال نحو ضفة الاعتدال، فإن تأثيره يكون فرديًّا ويفشل في تغيير واقع الجماعة.
إقرأ أيضاً: ماهر الأسد يعود بفضل هيئة تحرير الشام
كما أن التجارب الأميركية مع الحركات الجهادية التي أطاحت بالأنظمة اتسمت دائمًا بالدموية، بدءًا من أفغانستان، وصولًا إلى ليبيا عام 2012، عندما قُتل السفير الأميركي، كريس ستيفنز، على يد "أنصار الشريعة" الموالي لتنظيم القاعدة.
أيضًا، يرتبط الموقف الأميركي بشكل أساسي بملف الأقليات في سوريا، وحتى الآن لا يبدو أن الإدارة الجديدة قد نجحت في تبديد الشكوك بالنسبة إلى الأكراد والمسيحيين والدروز والعلويين والسنة المعتدلين. ولم يكن وزير الخارجية، أسعد الشيباني، موفّقًا في رده على سؤال حول وجود مخاوف لدى البعض من القادم في سوريا والتطمينات التي يمكن أن تقدمها حكومته، عندما قال: "التطمين الأبرز أننا حررنا الشعب السوري، وإذا حررتَ مختطفًا من خاطفه فلا يمكن أن يسألك بعد ذلك: إلى أين ستأخذني؟".
إقرأ أيضاً: من المسؤول عن إحباط اللبنانيين؟
تصريحات غوركا الأخيرة المشككة بالشرع سبقتها مواقف أكثر حدّة لتولسي غابارد أثناء جلسة الاستماع التي عقدها مجلس الشيوخ قبل التصويت على تثبيت تعيينها كمديرة للاستخبارات الوطنية. فقد قالت: "إنَّ سوريا تخضع لسيطرة جهادي يتفرع من تنظيم القاعدة، وهو أحمد الشرع، الذي رقص فرحًا في الشوارع بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو مسؤول عن مقتل العديد من أفراد القوات الأميركية". مضيفة: "أنا لا أحب بشار الأسد ولا معمر القذافي، وأكره تنظيم القاعدة الإرهابي، وأكره أن يكون لدينا قادة يحاولون التقرب من قادة القاعدة ووصفهم بالمتمردين، كما قال جيك سوليفان لهيلاري كلينتون: القاعدة في صفنا بسوريا".
التعليقات