‏من بين كم الكلمات التي خطها حسين بافقيه في تحليله لكتابي (خارِج الصَّنْدُوقِ) والتي بلغ عددها 2249 كلمة، وأختار لها عنوان: "عبدُ العزيزِ الصُّوَيِّغُ.. المُخْتَلِفُ جِدًّا؟"⁦‪
أقف عند هذه الكلمات في مقاله الفخم، والتي شبهني فيها بأستاذي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، وقال فيها:
‏[[ وكأنَّما أَشْبَهَ الصُّوَيِّغُ فيهِ أستاذَهُ في الْجامِعةِ الشَّاعِرَ والكاتِبَ والرِّوائيَّ ورَجُلَ الدَّولةِ غازي القُصَيْبِيَّ، فتَسَرَّبَ أَثَرٌ مِّنَ الأستاذِ كبيرٌ في التِّلميذِ، فكانَ هذا مِنْ ذاكَ، بَلْ إنَّنا لَنَجِدُ ما بَيْنَ الأستاذِ والتِّلميذِ مِنْ وُجُوهِ الشَّبَهِ ما يَجُوزُ التَّخَصُّصَ الْجامِعِيَّ، فما كُلُّ المُخْتَصِّينَ في العُلُومِ السِّياسيَّةِ كُتَّابًا ولا أُدَباءَ، إنَّما هُوَ ذلكَ الرُّوحُ الفَكِهُ السَّاخِرُ الَّذي يستخفي في شِعْرِ غازي ويَستعلِنُ في نَثْرِهِ، ولا تُخْطِئُهُ العَيْنُ فيما يُنْشِئُهُ عبدُ العزيزِ في كُتُبِهِ الَّتي أَذَاعَها، أوْ فُصُولِهِ الَّتي اخْتَصَّ بِها الصُّحُفَ، أَمَّا ما اتَّسَعَ لَهُ خارِجُ الصُّنْدُوقِ مِنْ صُنُوفِ المعرفةِ، فدليلٌ عَلَى أنَّ أستاذَ العُلُومِ السِّياسيَّةِ، وكيلَ الوِزارةِ، السَّفِيرَ، عُضْوَ مَجْلِسِ الشُّورَى = قارِئُ مُّمْتازٌ لِّلأدبِ، وصَيَّادٌ مَّاهِرٌ لِّلشَّوَاهِدِ والأمثلةِ، فُسِحَ لَهُ مِنْ ألوانِ المعرفةِ ما لا يَسْتَبْهِمُ عَلَى قارِئِ سِيرتِهِ، كُلَّما مَضَى فيها.]]
‏وأقول... لو لم يكتب أخي الأستاذ حسين بافقيه غير تلك الكلمات لكفتني فخراً واعتزازاً. فقد كان (أبا يارا) رحمه الله قدوة لي خلال دراستي في جامعة الملك سعود (الرياض)، ولغيري من زملائي في كلية التجارة (العلوم الإدارية). فقد كان مُبدعا في طريقة تعامله مع طلابه، استثنائي في شرحه لمادته، وإنسان جميل ترتاح في التعامل معه. وكان محفزاً لطلابه للقراءة والإطلاع، ليس للمادة والمقرر وحدهما، بل كان يقول لنا: "إقرأوا أي كتاب تجدونه تحت أيديكم ... ولو رجوع الشيخ إلى صباه!".
‏والواقع ان فتح سيرة القصيبي يأخذني إلى عوالم كثيرة مختلفة بين الأدب والشعر والسياسة والدبلوماسية. لكن ونحن في خضم أحداث جديدة تتعرض لها القضية الفلسطينية أعود إلى مقال تناولت فيه أحاسيس استاذي غازي القصيبي كتبت عنها في مقال بتاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 2017، بعنوان: (لا تُهيِّيء كفني!)، استرجعت فيه موقف الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-، الذي كتب مُعلِّقا على أول زيارة قام بها السادات للحكومة الصهيونية:
‏«كنتُ باعتباري من دارسي العلوم السياسية، أدرك أن الهزيمة ليست في فقد الضحايا ولا في خسارة المعارك ولا في ضياع الأرض على فداحة هذا كله، لكنها في قهر الإرادة السياسية للخصم، وإجباره على الخضوع للإرادة السياسية المعادية.. كنتُ ليلة الزيارة المأساة، أرقب التفاصيل على الشاشة الصغيرة، وأنا أبكي بحرقة، لا أذكر أنني بكيتُ منذ وفاة سيّدي الوالد كما بكيتُ ليلتها..».
‏وفي هذه المناسبة الأليمة، على كل مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، كتب الدكتور القصيبي قصيدته الرائعة «لا تهييء كفني».. ومن أبيات هذه القصيدة قوله رحمه الله:
‏لا تُهيِّئ كفني.. ما متُّ بعدُ!
‏لم يزلْ في أضلعي برقٌ ورعدُ
‏أنا تاريخي.. ألا تعرفهُ؟
‏خالدٌ ينبضُ في روحي وسعدُ
‏لا يغرَّنك عبدٌ مرجفٌ
‏بانتهائي.. لا يُخيفُ الحُرَّ عبدُ
‏أيها المسجد يا مسرى الهُدى
‏إنّ وعدَ الله حقٌّ لا يُصَدُّ
‏وهي كلمات استرجعها وأهديها لكل متخاذل يرى في الدفاع عن قضايانا القومية بالتصدي والتضحية بالغالي والرخيص لا عقلانية تقود إلى الهلاك؟! فأنا ، مثل أستاذي غازي بن عبدالرحمن القصيبي، أري:
‏"أن الهزيمة ليست في فقد الضحايا ولا في خسارة المعارك ولا في ضياع الأرض على فداحة هذا كله، لكنها في قهر الإرادة السياسية للخصم، وإجباره على الخضوع للإرادة السياسية المعادية".