يبدو أن امتحان تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، التي يدلي بها لوسائل الإعلام سيكون في محافظة السويداء جنوب سوريا، بحيث سيتم التأكد فعلاً إذا كانت تصريحات الرجل تتوافق مع أفعاله وأركان حكمه في دمشق.
ولم يتأخر الشرع طوال الأيام الماضية عن التشديد على بناء نموذج سوري مختلف عن النموذج الذي كان قائماً في عهد نظام آل الأسد، ولكن ما يجري على أرض الواقع يختلف بشكل كبير، فمحافظة السويداء على وجه الخصوص لا تزال تُواجه بمعادلة الخدمات مقابل الولاء، ما يعني أن النظام الحالي يقدم نفسه على أنه يواصل بنفس ذهنية النظام السابق.
وتعاني المحافظة من نقص حاد في الأوكسجين للمشافي الطبية رغم الوعود الكثيرة التي قدمها وزير الصحة، ماهر الشرع، في الأيام الأخيرة، غير أن شيئاً لم يصل للمحافظة سوى الوفود التي أرسلتها قيادة تحرير الشام للاجتماع مع فعاليات المحافظة.
وفي حين كانت المحافظة تنتظر وصول المواد الأساسية الملحة لتأمين استمرار عجلة الحياة اليومية، أرسلت هيئة تحرير الشام رتلاً كبيراً لجهاز الأمن العام بغية تسلم مبنى المحافظة ونشر عناصرها في المدينة والمناطق المحيطة، رغم الاتفاق مسبقاً أن الأمن المحلي في السويداء مهمة أبناء المحافظة، وعُهد بمنصب قائد شرطة المحافظة إلى العميد طلال العيسمي.
رتل الجولاني، الذي حاول الدخول في الليل إلى السويداء، لم ينجح بفعل خروج أبناء المحافظة للاعتراض وإرغام القادمين من دمشق على العودة، مع التأكيد أن أبناء المحافظة مكلفون بحمايتها، وأن المفروض أن لا ينتشر الجيش والاستخبارات داخل الأحياء كما كان الأمر قائماً في السنوات الماضية.
وبلا أدنى شك، فإن كلام أحمد الشرع لا يتوافق أبداً مع تعييناته وتصريحاته. فالحكومة التي نقلها من إدلب بحجة الفترة الانتقالية لثلاثة أشهر أقصت جميع المكونات السورية، ولم تلحظ تعيين أي شخصية سوى الموالين للجولاني، أكان مرهف أبو قصرة وزير الدفاع أو أسعد الشيباني وزيراً للخارجية.
كما أن الجولاني فرض المقربين منه لتولي منصب المحافظ، ووحدها السويداء بادرت بتسمية السيدة محسنة المحيثاوي لهذا المنصب، علماً بأن الجولاني حاول تسمية شخصية جهادية لهذا المنصب وأرسل به إلى السويداء ليتم تبليغه بأن أهل المحافظة يريدون المحيثاوي لتولي هذا المنصب.
وجاءت سلسلة الترقيات العسكرية لتؤكد المؤكد بخصوص المخاوف، فالموضوع لم يتوقف عند تعيين الجهاديين المهاجرين كعمداء وعقداء، وإنما تجاهل كامل لتضحيات الضباط الذين انشقوا عن النظام منذ عام 2011. فماذا سيضير الجولاني لو تمت ترقية المقدم مجهول المصير حسين هرموش، أول الضباط المنشقين، إلى رتبة عقيد، أو مؤسس الجيش الحر رياض الأسعد إلى رتبة عميد، والمئات من الضباط الذين خرجوا من جيش النظام في عام 2011؟
التفرد والاستئثار في الحكم، والحديث عن ثلاث سنوات لكتابة الدستور وأربع سنوات للانتخابات، والمشاهد المتناقلة لعمليات الانتقام، وطريقة إدارة محافظة إدلب والتعاطي مع الأقليات ومصادرة ممتلكاتهم والزج بكثير من الأفراد في سجون قاح والعقاب. جميع هذه المشاهد لا تبعث على التفاؤل، ومطلب السويداء، التي يقف أبناؤها خلف الرئيس الروحي الشيخ حكمت الهجري، واضح: دولة مدنية لا مركزية يستوي تحتها جميع السوريين.
التعليقات