تسارع الأحداث في المنطقة لا يجعلنا نشعر بالارتياح، ولا يدفعنا إلى التفكير في حالة من الهدوء، دون أن ندخل في معترك التفسيرات والتحليلات السياسية التي تقودنا في النهاية إلى نتيجة لا نتمناها وفق ما يحدث حالياً في المنطقة. اليوم، إسرائيل تعيش وضعاً مختلفاً عن السابق. هناك أهداف في المنطقة تعتبر واضحة بالنسبة إلينا ولا يمكن تجاهلها، فالتوسع الذي تشهده إسرائيل في المنطقة مقلق، ولا يمكن تجاهله، ويحتاج إلى تدخل دولي عاجل. لا يمكن أن يستمر الصمت عما تفعله إسرائيل بمجرد أن الخطر ما زال بعيداً، فالخطر الإسرائيلي قائم، وفي كل مراحل هذا الخطر يزداد الأمر سوءاً.
لا يعني تداخل الأحداث مع بعضها، وفي عدة اتجاهات والمرتبطة بالوضع الفلسطيني واللبناني والسوري مؤخراً، أن تغفل دول المنطقة، خاصة التي يُعوَّل عليها فعل الكثير بحكم قوة تأثيرها السياسي والاقتصادي، عما تفعله إسرائيل حالياً. لا يمكن أن نعطي الفرصة لإسرائيل أن تمارس دور الوصاية أو الدفاع عن نفسها لتفعل ما تشاء في المنطقة، ولا أظن إسرائيل تستطيع أن تتجاهل حجم تأثير دول المنطقة على كافة الأصعدة الدولية. في نهاية الأمر، إسرائيل تدرك جيداً أن للصبر حدوداً.
إزاحة المشروع الإيراني في المنطقة لن يكون ثمنه مشروعاً إسرائيلياً جديداً. في كلتا الحالتين، الرفض واضح والوقوف ضد أي مشروع من هذا النوع في المنطقة سيكون معلناً من الجميع وفق الحلول السياسية والدبلوماسية. لن تنجح إسرائيل في فرض أي سياسة على دول المنطقة، ولن يكون لها أي دور في هذا الاتجاه لأسباب كثيرة؛ لعل من أهمها أن دول المنطقة لن تسمح لإسرائيل أو إيران بأي عمق استراتيجي في المنطقة، ولن تقبل أن تبقى دولهم تحت الخطر الإسرائيلي أو الإيراني مهما كلف الأمر.
وقد أعرب وزراء الخارجية في مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد مؤخراً في دولة الكويت الشقيقة، عن استيائهم مما تفعله إسرائيل في غزة، وفي لبنان وسوريا، ورفضوا رفضاً قاطعاً السياسة التوسعية التي تنتهجها إسرائيل في المنطقة، وطالبوا المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته تجاه ما يحدث.
إقرأ أيضاً: "أخيراً وليس آخراً" عادت سوريا
لا توجد دولة من دول المنطقة لا تبحث عن السلام والاستقرار باستثناء إسرائيل وإيران. هاتان الدولتان لا تفكران في هذا الاتجاه، ولا تريان أنه مناسب لسياساتهما الاستراتيجية، ولا أظنهما ستقدمان أي خطوة إيجابية في هذا الاتجاه. لذلك من المهم تضافر كل الجهود لكل دول المنطقة دون استثناء، للتصدي لكل سلوك عدواني، أو يقود إلى الاعتداء على دولة كما يحدث الآن في سوريا.
اليوم، العمل السياسي والدبلوماسي المرتبط بالمجتمع الدولي هو الحل المناسب لحل كل قضايا المنطقة. لكن هذا العمل يحتاج نهجاً جديداً وفق القدرات المتاحة لبعض دول المنطقة، فلكل دولة تأثير وفق احتياجات دولية معينة. هذا الكرت يجب تفعيله بالطريقة التي تضمن تأثيره على كل الدول التي لديها القدرة على فرض السلام في المنطقة ودعمه. الوضوح في هذه الجوانب أصبح اليوم ضرورياً حتى لا ندخل في المستقبل في إشكاليات تفرض على دول المنطقة التحاور وفق المستجدات الجديدة. عندها ستكون حقوق الماضي مع الحاضر قد سُلبت.
إقرأ أيضاً: السعودية واستثمارات فرنسا
اليوم، الوضع الإسرائيلي مكشوف، وأهدافه واضحة. وحين يتمكن من تحقيق أهدافه التوسعية، سيدخل مع المجتمع الدولي وبعض دول المنطقة في تفاوض سياسي لتعزيز السلام. لكن هذا التفاوض لن يتضمن أي تنازل من الجانب الإسرائيلي عن مكتسبات هذه المرحلة. التفاوض سيكون للمستقبل القريب ولبضع سنوات، ريثما يُجَهَّز مشروع إسرائيلي جديد في المنطقة!
قد تكون الأفكار بعيدة جداً عن أن تتعمم بسرعة زائدة، بل بالعكس، هي بطيئة السير، وبمقدار بطئها تقاس درجة استحكامها في أدمغة البشر.
التعليقات