تعيش سوريا اليوم مرحلة جديدة من تاريخها السياسي الذي اتسم بالنضال طوال الخمسين أو الستين عاماً الماضية، وبالتحديد في حقبة الأسد الأب والابن؛ هذا التغير في المشهد السوري العام يحتاج إلى مزيد من الاستقرار ووضع الأمور في نصابها الطبيعي، الذي يفرض احترام قوانين الدولة وترسيخ جوانب عدة من أجل أن تسير سوريا الدولة إلى بر الأمان.
من أهم هذه الجوانب الأمن والاستقرار ما بعد مرحلة بشار الأسد، ولن يحدث ذلك إلا من خلال انتخاب رئيس جديد للدولة، يحمل على عاتقه مسؤولية استتباب الأمن في سوريا وتجهيز الدولة لمرحلة جديدة مختلفة تماماً، وهذا لن يحدث إلا بتظافر الجهود واحترام الشعب لمستقبل سوريا والمساهمة في إعادتها للوضع الطبيعي، كدولة آمنة مستقرة تسعى مثل غيرها من الدول في طريق التطور والازدهار، ولن يكون هذا مستحيلاً، فالمرحلة المهمة في تاريخ سوريا قد انتهت بزوال نظام الأسد إلى الأبد.
تبقى مرحلة جديدة لا تقل أهمية عن سابقها، وتتمثل في توحيد الصف، وتغليب مصالح سوريا، وهذا شعور وطني يجب أن ينبع من داخل كل مواطن سوري مهما كانت انتماءاته السياسية أو الدينية أو الحزبية؛ حالة الفرح التي عاشها الشعب السوري في الأيام القليلة الماضية تعطي مؤشراً إيجابياً على أنَّ السوريين ماضون في الطريق السليم لتقديم سوريا كدولة جديدة بأفكار جديدة تعي معنى المصالح الخاصة والعامة للدولة، ومدى أهمية المواطن السوري في كل المراحل القادمة، فالمناشدات المستمرة من بعض دول الجوار لتغليب المصلحة العامة للدولة السورية والاهتمام بمؤسسات الدولة يبعث حالة من الهدوء ومحاولة ترتيب الأمور في الداخل السوري. اليوم السوري يجب ألا يُشغل بشيء غير الوقوف مع سوريا الدولة التي أشرقت عليها شمس الحرية.
التفاصيل السياسة المرتبطة ببعض الدول التي تشترك معها سوريا في الحدود مثل تركيا هي بالتأكيد مهمة، وتحتاج إلى التعامل معها بشكل صحيح يضمن للسوريين استقرار دولتهم؛ هذه الرغبة يجب أن تكون مشتركة من الطرفين السوري والتركي، وعلى وجه الخصوص الجانب التركي الذي يعول عليه أن يكون مساهماً على نحو إيجابي في فرض الاستقرار وإعادة بناء الدولة، كذلك العراق ودورها الجوهري في توطين العلاقات مع سوريا الجديدة ودعم حالة الاستقرار التي ينشدها السوريون. يبقى التوتر مرتبطاً بإسرائيل، وهنا نحتاج إلى عمل دبلوماسي على أعلى المستويات، حتى ينجو السوريون في كل أقطار سوريا من التدخل الإسرائيلي!
إقرأ أيضاً: السعودية واستثمارات فرنسا
أي خلل في الدخل السوري سيجعل المنطقة برمتها في قلاقل مستمرة، لذلك من الطبيعي، ومن أجل السلام والاستقرار، أن يسعى جيران سوريا في المساهمة في رفع المعنويات وتقديم العمل الإنساني المناسب لحياة كريمة في الداخل السوري. الكل يراهن في المرحلة القادمة على إحساس السوريين بالمسؤولية معتمدين على عدم رغبتهم في تقسيم الدولة، أو الدخول في مزيد من المشاكل السياسية، فما عاشوه في السنوات الماضي يكفي لأن يكون الدرس بليغاً، ويجب ألا تتكرر أخطاء الماضي.
سوريا اليوم في حاجة إلى المساندة السياسية والدعم الإنساني، ولأنَّ المواقف خير برهان لإثبات المثبت، فإنَّ السعودية كعادتها تقف مع الأشقاء العرب في محنهم، وهذا الأمر ليس مصدر شك، وها هي القضية السورية اليوم تكشف لنا موقفاً نبيلاً جديداً لدولة عظيمة مثل السعودية، بغض النظر عن شعور الشعب السوري بما قدمته السعودية للاجئين السوريين. فمن لحظة مغادرتهم أرضهم والوصول إلى السعودية، لم يتوقف دور السعوديين عند هذا الحد، بل ما زالوا مستمرين في مد يد العون إلى أن تستقر سوريا، وهذا ما تؤكده كل البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية السعودية بأنَّ الشأن السوري يحظى باهتمام منقطع النظير، فالسعودية تستخدم كل نفوذها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي من أجل استقرار سوريا، ولعل آخرها البيان الذي يستنكر ما تقوم به إسرائيل في منطقة الجولان المحتلة، وهي ترفض رفضاً قاطعاً أي اعتداء على سوريا وشعبها وممتلكاتها، وتطالب بشكل متواصل من المجتمع الدولي أن يقوم بمسؤوليتها تجاه ما يحدث من انتهاكات إسرائيلية ضد سوريا، ومحاولة زعزعة أمنها واستقرارها. اليوم الجهود العربية الدبلوماسية يجب أن تكون في مستوى العمل الدبلوماسي والسياسي الذي تقوم به السعودية لكل القضايا العربية في المنطقة، فاستقرار المنطقة هو استقرار لكل دولها.
إقرأ أيضاً: نتنياهو… لا يريد السلام!
النقطة المهمة والأكثر خطورة في كل ما يحدث في سوريا اليوم من أحداث؛ الموقف الإيراني ومدى انسجامه مع هذه الأحداث، وكيف ستتشكل ردة فعله، وما مدى قدرته على التعاطي مع الوضع الجديد في سوريا. بكل تأكيد لن ينجرف السوريون مجدداً في النفق الإيراني، ولن يقبلوا وصاية جديدة تحت أي مسمى من المسميات، فشخصية الدولة السورية يجب أن تكون مستقلة، وتقدم عملاً سياسياً يخدم مصالحها، لهذا من المهم أن يكون للحكومة السورية المكلفة بتسيير شؤون الدولة موقفا حازما من أي تدخل إيراني في الشأن السوري.
وفيما يخص الجانب الأميركي، فمن المهم أن تسعى أميركا على حفظ مصالحها في سوريا، وتعمل على استقرار الوضع بكل تفاصيله. ليس المطلوب التدخل في الشأن الخاص بالدولة، لكن من المفترض أن تكون مبادراتها في الاتجاه السلمي الذي يضمن تحقيق الاستقرار المنشود في سوريا من جميع الجوانب.
إنَّ المشاهد القادمة من السجون السورية مؤلمة، ويصعب تخيلها أو حتى قبولها إنسانياً، وهذا يؤكد حجم الويلات بمختلف أنواعها التي عاشها الشعب السوري، لهذا آن الأوان لحياة جديدة يسودها الأمل والاستقرار.
التعليقات