في مظهر من مظاهر عجز كييف عن مقارعة القدرات العسكرية الضخمة لموسكو، تخطط أجهزة المخابرات الأوكرانية لجذب مسلحين من تنظيمات مصنفة "إرهابية" شاركت بالحرب في سوريا، وذلك من أجل الانخراط في الحرب ضد روسيا.
فبحسب تقارير صحافية روسية نُشرت قبل أيام، فإنّ ضباط أوكرانيين وصلوا خلال شهر أيار (مايو) إلى شمال السوري حيث كانت تنتشر فصائل عسكرية تضم عناصر مقاتلة غير سورية. هؤلاء الضباط أجروا اجتماعات من قيادة تنظيمين يُسمّيان "الحزب الإسلامي التركستاني" و"أجناد القوقاز"، وهما مدرجان على لوائح الإرهاب الدولية.
وتقول المعلومات، إنَّ المفاوضات بين الطرفين أفضت إلى إبرام إتفاق حول نقل أعضاء هذه المجموعات إلى الجبهة الأوكرانية من أجل المشاركة في القتال ضد الجيش الروسي. كما اتفق الطرفان على انضمام أولئك المقاتلين رسمياً إلى التشكيل العسكري الذي يقوده رستم أدجييف، المعروف باسم "عبد الحكيم الشيشاني". وفي محاولة لاجتذاب أكبر قدر ممكن من المقاتلين، أعلنت كييف أنّها ستقوم بمنح جنسيتها لكل من يوافق على الانخراط في القتال إلى جانب الجيش الأوكراني ضد روسيا.
المعلومات تفيد كذلك، بأنّ أدجييف ظَهر في أوكرانيا بعد بضعة أشهر من اختفائه عن الساحة السورية، حيث انضمّ وجماعته إلى "الفيلق الدولي" الذي أسّسته كييف لاجتذاب المرتزقة الأجانب إلى صفّها. وإذ تتطلّع الاستخبارات الأوكرانية بعد نشرها فيديو ترحيبياً بـ"الشيشاني" إلى استقطاب نظرائه من الأجانب المتمترسين في سوريا، فإنّ خروج المزيد من هؤلاء إلى "ساحة المعركة الجديدة" يبدو محتّماً ولا سيما بعد أن سرتْ أنباء عن مغادرة مُقاتلين من "جماعة الألبان" أيضاً منطقة إدلب شمال سوريا، متوجهين إلى أوكرانيا.
ويبدو أنّ انتفاء حاجة تركيا إلى المقاتلين على الأراضي السورية، يعزّز من تلك التوقّعات بشكل كبير. إذ تعتبر أنقرة أنّ مصلحتها تقتضي التخلّص من هؤلاء، لا سيما بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولجوئه إلى روسيا، وقيام أولئك المقاتلين بتحركات استفزّت عدداً من أبناء الشعب السوري.
وكان الوفد الأوكراني التقى كبار ممثلي منظمة "الخوذ البيضاء" وهي منظمة إنسانية ممولة من الغرب، وناقشوا، بحسب المعلومات، آليات العمل على تشويه سمعة الهجمات التي تشنّها القوات الروسية من خلال اتهامها باستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد المدنيين شمال سوريا، بينما الهدف الرئيسي من هذه الخطة، كان الضغط على روسيا على الساحة الدولية.
وخلال شهر أيلول (سبتمبر) الفائت، وصل 9 ضباط من الاستخبارات الأجنبية الأوكرانية إلى سوريا تحت ستار العمل الصحافي لتغطية آخر عمليات تنظيم "هيئة تحرير الشام"، زاعمين أنهم يحققون في انتهاكات الجيش الروسي على جبهات عدّة شمال البلاد. إلا أنّ الغرض الرئيسي من زيارة ضباط الاستخبارات الأوكران كان تدريب مسلحي التنظيم التابع لـ"هيئة تحرير الشام" على الطائرات المسيّرة التي استلموها أخيراً من أوكرانيا، وذلك بالتنسيق مع زعيم تنظيم "كتيبة التوحيد والجهاد".
وتفيد المعلومات بأنَّ عدداً من المقاتلين الذين خرجوا من سوريا من أجل القتال إلى جانب كييف في وقت سابق، بدأوا يعودون إلى الشمال السوري، ذلك بعد أن أيقنوا أنّ مواجهة روسيا صعبة ونتائجها خاسرة.
ويرجح أغلب الخبراء في الشأن الأوكراني أنّ هؤلاء أيقنوا أنّ الأوضاع العسكرية في أوكرانيا باتت صعبة بالنسبة إليهم، وأنّ الساحة هناك لم تعد بيئة مناسبة للقتال، خصوصاً أن مواجهة الجيش الروسي على الأراضي الاوكرانية ستكون خاسرة.
إقرأ أيضاً: زيلينسكي مُحبط... "دول الجنوب" تقاطع مؤتمر سويسرا
ومن بين الجهاديين الذين عادوا خلال الفترة الأخيرة، القيادي عبد الله الشيشاني، وهو أحد أبرز القادة الذين خرجوا مع مقاتليهم من إدلب إلى أوكرانيا، قبل أن يعود إلى سوريا أخيراً.
وسبق أن تركزت مجموعة "أجناد القوقاز" في جبهة أرتيوموفسك الأوكرانية، التي شهدت على مدار الأشهر الماضية قتالاً عنيفاً بين الجيش الروسي، والجيش الأوكراني وحلفائه من جهة أخرى. وتفيد آخر التقارير بأنّ ثمة دولاً سهلّت عملية خروج هؤلاء المقاتلين من سوريا إلى أوكرانيا، لكنّها تتحاشى ذكرها بالإسم (على الأرجح تركيا) وأنّ عملية نقل المقاتلين الأجانب جرى التخطيط لها من قبل أجهزة استخبارية تتبع دولاً منخرطة في الصراع بالداخل الأوكراني.
إقرأ أيضاً: حملة تبرّعات أوكرانية في لبنان تُغضب موسكو
وتدعي القيادة المركزية الأميركية وقوات التحالف الدولي أنَّها تراقب الميدان في مناطق الشمال السوري عن كثب، كما تقول إنّها تقوم بتنفيذ ضربات جوية مركزة بين الحين والآخر، مستهدفة قادة من تنظيمي "القاعدة" و"داعش". ومع ذلك لم تقم باستهداف عشرات المقاتلين الأجانب الذين خرجوا من سوريا باتجاه أوكرانيا... وهذا يطرح السؤال حول هوية المستفيد من انتقال هؤلاء المقاتلين بين جبهات القتال المشتعلة.
كما توحي عمليات نقل المقاتلين الأجانب بأنّ هناك محاولة لاستنساخ جزء من سيناريو الحرب الأفغانية - السوفياتية في أوكرانيا، لكن بفروقات جوهرية بين الحالتين. لكن هذه الفروقات لم يمنع بعض الدول من استخدام التكتيكات نفسها التي استخدمتها سابقاً لاستنزاف الجانب السوفياتي في حينه.
وكان الشيشاني أدجييف انضم إلى المقاتلين في سوريا، حيث اتخذ من ريف اللاذقية مقراً له، وأسس جماعة "أجناد القوقاز" التي تضم مقاتلين من الشيشان، وشاركت تلك المجموعة في العديد من المعارك في إدلب وريف حماة.
إقرأ أيضاً: روسيا تقلّص عجزها... وتضاعف منتدياتها الاقتصادية
وتحدث أدجييف في مقابلة صحفية عن سبب قدومه إلى سوريا، قائلاً إنّ "هدفي الأول هو إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر للروس"، ووصف القتال في سوريا بأنّه "فندق ثلاث نجوم"، في حين وصف الحرب في أوكرانيا بأنها "فندق سبع نجوم" حسب تعبيره، وذلك لكون المرتزقة الذين يقاتلون مع الجيش الأوكراني يمتلكون طائرات ومسيّرات وصواريخ "ستينغر" الأميركية.
وهذا كلّه يؤكد أن الجانب الأوكراني لا يكن ولا يستريح، وذلك على الرغم من تراجع دعم الغرب له بالمال والسلاح، وعلى الرغم من أنّ الظروف في العالم كلّه قد تغيّرت ولم تعد في صالحه ولا توحي أنّه له القدرة على حسم المعركة ضد روسيا.
التعليقات