منذ عقود، تشهد بلدة سلوان الواقعة جنوب المسجد الأقصى في القدس الشرقية هجمة متواصلة من سياسات الهدم الإسرائيلية التي تستهدف المنازل الفلسطينية. هذه السياسات، التي تُبرَّر عادةً بعدم وجود تراخيص بناء، تمثل أحد أبرز أدوات الاحتلال لفرض وقائع جديدة على الأرض، في إطار مشروع أوسع يستهدف "التهويد الكامل" للقدس الشرقية.
لماذا سلوان؟
تكتسب بلدة سلوان موقعاً استراتيجياً هاماً إذ تقع بمحاذاة السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، وهي نقطة وصل بين البلدة القديمة وبقية الأحياء في القدس الشرقية، وهو ما يفسر تركيز سلطات الاحتلال على تنفيذ إجراءات الإخلاء والهدم بحق السكان العرب بهدف السيطرة الجغرافية على المسجد الأقصى ومحيطه، مما يسهل تنفيذ المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير الوضع الديموغرافي وطمس الهوية الفلسطينية للمدينة. إلى جانب موقعها الاستراتيجي، تحتوي سلوان على مواقع أثرية يدّعي الاحتلال الإسرائيلي أنها تعود إلى فترة الهيكل الأول والثاني المزعومين، وبالأخص "مدينة داوود" كما يسميها الاحتلال. هذه الادعاءات لطالما استُخدمت لتبرير الحفريات المستمرة التي تهدف إلى تقويض أساسات المسجد الأقصى وخلق ارتباط ديني مزعوم بين اليهودية والمكان.
معاناة مركبة
أمام هذا الواقع، تعيش العائلات الفلسطينية في سلوان معاناة مركبة ومتواصلة بسبب ما تتعرض له يومياً من مضايقات من قبل المستوطنين، حيث يتطور الأمر في غالب الأحيان إلى مواجهة الاعتداءات الجسدية وتخريب الممتلكات. إلى جانب ذلك، يفرض الاحتلال إجراءات تعسفية تزيد من صعوبة أوضاعهم الاقتصادية، إذ يتم فرض غرامات وضرائب باهظة، مثل ضريبة "الأرنونا"، على المنازل والمحال التجارية الفلسطينية، مما يؤدي إلى إفلاس الكثير من العائلات. كما يتم تسليم العائلات أوامر هدم ومطالبتهم بدفع غرامات باهظة أو تحمل تكلفة الهدم بأنفسهم، مما يزيد من الضغط الاقتصادي والنفسي عليهم بغية دفعهم إلى خيار الرحيل القسري.
ذريعة غياب التراخيص: قانون يخدم الاحتلال
يواجه الفلسطينيون في القدس الشرقية قيوداً شديدة على الحصول على تصاريح البناء. ولطالما فرضت سلطات الاحتلال شروطاً قاسية وطويلة الأمد للحصول على التراخيص، مما يجعل العملية شبه مستحيلة بالنسبة للفلسطينيين. غالباً ما تستثني المخططات الإسرائيلية المناطق الفلسطينية من خطط التطوير والبناء، ما يعني أن البناء يُعتبر تلقائياً "غير قانوني".
تستند السلطات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين إلى مزاعم أن هذه المباني بُنيت دون الحصول على التراخيص اللازمة. ومع ذلك، فإن هذه الذريعة تُخفي وراءها واقعاً أكثر تعقيداً.
منظمة صهيونية وراء المخطط
تأسست منظمة "عطيرت كوهانيم" في عام 1978، كجمعية دينية صهيونية تركز على الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية بطرق مختلفة، سواء عبر المحاكم الإسرائيلية أو من خلال عمليات شراء تُثار حولها الشكوك.
تُعتبر بلدة سلوان إحدى النقاط الساخنة لنشاطات "عطيرت كوهانيم". تركز المنظمة على حي بطن الهوى تحديداً، حيث رفعت قضايا لإخلاء 97 أسرة فلسطينية، مما يعرض نحو 450 شخصاً لخطر التهجير.
تعتمد "عطيرت كوهانيم" على مجموعة من الوسائل لتوسيع نفوذها، حيث رفعت المنظمة مئات الدعاوى القضائية ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية، وخاصة في سلوان والبلدة القديمة. تحظى بدعم قوي من الحكومة الإسرائيلية والمحاكم، التي غالباً ما تصدر أحكاماً لصالحها.
تقوم المنظمة بإغراء بعض الفلسطينيين لبيع ممتلكاتهم من خلال وسطاء، وغالباً ما تُستخدم أساليب غير شفافة في هذه العمليات، متحججة بأن نشاطاتها جزء من تحقيق أهداف توراتية متعلقة بعودة اليهود إلى القدس، ومستغلة الظروف الاقتصادية القاهرة التي تدفع بعض العائلات المقدسية لإخلاء ممتلكاتهم على مضض.
صمود يحتاج الدعم والمساندة
لحسن الحظ، تعمل العديد من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية على تقديم الدعم القانوني والمادي للعائلات المقدسية، بما في ذلك سكان سلوان، لمساعدتهم على مواجهة الدعاوى القضائية المكلفة لإثبات ملكيتهم. كما تعمل المبادرات الشعبية الفلسطينية من خلال جمع التبرعات وتقديم المساعدات على ترسيخ روابط التضامن مع الأسر المقدسية وتعزيز صمودهم للحفاظ على الهوية الفلسطينية في القدس.
لكن في ظل استمرار السياسات الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، يبقى مستقبل العائلات الفلسطينية في سلوان محفوفاً بالمخاطر. ومع ذلك، فإن صمود السكان وتمسكهم بأرضهم وهويتهم يمثل رسالة أمل وإصرار على البقاء، رغم الظروف القاسية.
إنَّ تسليط الضوء على معاناة هذه العائلات والعمل على دعم حقوقها يُعد مسؤولية إنسانية وأخلاقية. فالقضية ليست مجرد نزاع على الأرض، بل هي معركة من أجل العدالة وحق الشعوب في الحفاظ على هويتها وكرامتها.
التعليقات