ما يميز أبناء الطائفة المعروفية، الدروز، أنهم مثل "طبق النحاس"، أينما ضربت عليه يرن، حسب ما يصفون تماسكهم وترابطهم في الشرق الأوسط؛ هناك فريضة حفظ الأخوان، وتلزم كل درزي مساعدة أخيه الدرزي، بغض النظر عن البعد الجغرافي أو السياسي بينهما... مساعدة إنسانية، دعم مادي أو دعم سياسي أو التوسط له في أي مكان بما يناسب مصلحته.
هذه العلاقة تقتصر على المساعدة والمساندة ومحاولة رفع الضيم أو الظلم عن الأخ والأخت وأبناء العشيرة، ولكنها لا تعني جعله يعمل ضد مصلحة بلده أو مكان إقامته مهما حصل.
الدروز يتواجدون بأعداد كبيرة في ثلاث دول هي سوريا ولبنان وإسرائيل، بحسب الترتيب العددي، والعلاقات بين قادة الطائفة الدينيين منهم جيدة، وهناك تواصل في ما بينهم لمصلحة الطائفة ككل، مع الحفاظ على خصوصية كل مجموعة في دولتهم ووطنهم.
منذ اندلاع الثورة السورية، تولى دروز إسرائيل تقديم مساعدات جمة لأخوانهم، بعضها في مجال العلاقات الدولية والدفاع عن الدروز والتوسط لهم لدى دول عربية وأجنبية، وبعضها على شكل إرسال أموال ومؤن وأدوية واحتياجات أساسية، بالإضافة إلى كفالة عائلات وغير ذلك.
دائما كان أساس التواصل عدم التدخل في الشؤون السياسية والوطنية للمجموعة، والابتعاد عن فرض آراء قد لا تتلاءم مع هذا التوجه.
إقرأ أيضاً: ثلاثة تواريخ غيرت المنطقة
مؤخراً، أطلقت دولة إسرائيل سلسلة تصريحات تتحدث عن حماية دروز سوريا دون طلب منهم أو من دروز إسرائيل، وهدد بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس قيادة سوريا الجديدة بواسطة الدروز دون أن يسألونهم، والهدف الاستراتيجي سلخ الدروز عن سوريا وإنشاء مناطق أمنية عازلة تخدم إسرائيل على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان.
العجب ليس من تصريحات نتنياهو ووزرائه، بل من صمت بعض قيادات الطائفة الدرزية في إسرائيل وفي سوريا، وترحيب بعض المليشيات في سوريا من قطاع الطرق وتوابع النظام السابق الذين خسروا تجارة المخدرات ودفع الإتاوات من الناس، بالإضافة إلى مجموعات من "الزعران" جندتها إسرائيل وتطلب منها القيام بأعمال هنا وعمليات هناك، ولن أخوض في ذلك أكثر.
إضافة إلى ذلك، تعالت دعوات داخل قرى الجولان السوري للعمل في إسرائيل وتلقي رواتب خيالية نسبة للرواتب شبه المعدومة في سوريا على غرار عمل الفلسطينيين في إسرائيل وعلى غرار العمال من الجنوب اللبناني إبان احتلال إسرائيل جنوب لبنان، حيث عمل هؤلاء حينها في قطاعات البناء والخدمات والزراعة.
إقرأ أيضاً: رسالة خاصة إلى أحمد الشرع
كل هذه التطورات تشي بخطة مرسومة تعود إلى رفض إسرائيل للإدارة السورية الجديدة التي حررت سوريا من نظام كانت تعتمد عليه إسرائيل في الحفاظ على أمنها وحدودها، وانهيار هذا النظام فاجأ إسرائيل، التي ضُبطت غير جاهزة لمثل هكذا تغيير جذري في المنطقة.
خلال عملي الصحفي، واكبت الكثير من الأحداث الكبيرة والصغيرة، والتي غيرت مجرى الأمور في منطقتنا، وقد كنت منتدباً لتغطية انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، وتحديداً يوم 23 أيار (مايو) 2000، وهناك صورة حفرت في ذهني وذاكرتي ولن أنساها، حين شاهدت كيف خرج آخر جندي إسرائيلي من الجنوب اللبناني وأغلق بوابة فاطمة بالسلاسل خلفه، تاركاً وراءه المئات من عناصر جيش لبنان الجنوبي وأفراد عائلاتهم يواجهون مصيراً مجهولاً في مواجهة عناصر ومؤيدي حزب الله، الذين احتفلوا بالنصر والتنكيل بهؤلاء على مرأى ومسمع القوات الإسرائيلية حينها.
مادة للتفكير!
التعليقات