ترنيمة الانفصال الشيعي عن العراق، أو الحكم المطلق للسلطة الشيعية على العراق، لم تولد من فراغ، بل هي رسالة إيرانية صريحة لتركيا والدول العربية. طالما أنَّ سوريا "السنية" أصبحت في الحضن التركي، فإنَّ العراق الشيعي ينبغي أن يصبح في الحضن الإيراني، وربما تكون ورقة في التفاوض مع أميركا، وتسليم "النووي" مقابل ذلك! نقول ربما، لأن من المستبعد أن يفكر الشيعي العراقي بذلك، فهو المعارض لفكرة الإقليم السني من جهة، ولم يتوقف عن مهاجمة إقليم كردستان، رغم وجوده الدستوري والقانوني والشروط الجغرافية والسياسية والقومية التي تدعمه!
يبدو أنَّ مرحلة ترامب وفلسفته الاستحواذية في ضم دول إلى الجغرافيا الأميركية مثل كندا وبنما، وترحيل الملايين من أوطانهم بشروط القوة كما في قطاع غزة، من دون اكتراث للحقوق أو حقائق التاريخ والجغرافيا والانعكاسات السياسية التي تحدث جراء ذلك، جعلت افتراس العراق يسيراً وفق تصورات المنهج الإيراني، كما كانت سوريا يسيرة على الاستحواذ التركي وإسقاط نظام الأسد، لأن كلا البلدين يعانيان الهشاشة والتبعية وغياب الوحدة الوطنية الصلبة!
الحقيقة التي لا بد أن تُذكر، أن جمهور الشيعة يشكلون الأغلبية في مدن وسط وجنوب العراق، وهم عرب أقحاح، وتوجهات الغالبية منهم تعارض الجماعات السياسية التي تروج لهكذا مشاريع تهدف إلى ربط العراق، "بحر النفط والثروات التي لا تنضب"، بأي من دول الجوار، سواء إيران أم غيرها، وتحت أي ذريعة كانت!
إقرأ أيضاً: الخوف من المستقبل!؟
العراق وفق المنظور السياسي لاستراتيجيات الدول العظمى والفاعلة في الشرق الأوسط، حالة تتوسط بين الحالتين الإيرانية والخليجية. وإذا كان في لحظة تاريخية سابقة متظاهراً في الدفاع عن البوابة الشرقية للنظام العربي، فإن الجهد الأميركي-الغربي كسر هذه القاعدة بعد مشروع احتلاله وتغيير نظامه السياسي الفاقد للنوع والقوة أيضاً، بل أصبح تحت الحماية الأميركية، كلما استدعت الظروف ذلك!
من هنا، تصبح أحلام ومطالب البعض في التهديد بالنفط أو انفصال الجنوب والارتباط بإيران، غير مستوعبة للحقائق على الأرض، أو لما يدور من مخططات دولية متسارعة، بل هي أشبه بأضغاث أحلام.
أصبح من الثابت أن أزمات الوضع السياسي العراقي باتت متأثرة بإيران على نحو واسع وكبير، وطالما أن نظام إيران السياسي يعيش أزمة عميقة تهدد وجوده وتنذر بنهايته، فإن العراق لن يشهد استقراراً حتى تنتهي الحالة الإيرانية إلى صيغتها النهائية!
لقد شهدت السنوات الـ20 الأخيرة فشلاً ذريعاً في السياسة الخارجية الإيرانية، وبلغ بها الغرور ووهم القوة أن تعلن سيطرتها على أربع عواصم عربية، من دون أن تنظر إلى ما يحدث تحت السطح!
إقرأ أيضاً: ترامب يؤسس لصناعة إرهاب عالمي جديد!؟
هذا الفشل صار يدفعها إلى المزيد من الأخطاء الناتجة عن غرور القوة، حتى صار كبار المسؤولين في النظام الإيراني يفكرون في الاستقالة والقفز من المركب قبل أن يغرق.
بعد أكثر من عقدين من الزمن وفشل أحزاب الإسلام السياسي في إدارة الدولة، بل ضياع العراق في دوامة الفساد غير المسبوق ونهب المال العام وإفقار البلاد وتزايد الأزمات، صار الوضع العراقي الداخلي، هو الآخر، يضغط باتجاه التغيير والخلاص من طبقة سياسية تعاني الشلل وعدم القدرة على إيجاد حلول للأزمات المتفاقمة.
























التعليقات