الضالعون في تاريخ الكويت السياسي، والمكتسبات الديمقراطية الدستورية، يدركون حجم الكويت وتحولاتها السياسية والاجتماعية والثقافية التي تحققت قبل وبعد ولادة دستور الدولة الحديثة في العام 1962.

لدينا في الكويت تاريخ يعود لصُنّاع التحولات السياسية والثقافية، والديمقراطية الدستورية، ولدينا عملاء العثرات، وأعداء الديمقراطية، لكن ظل صُنّاع التحولات وأهل العقل والحكمة لهم بصمات يشهد لها التاريخ والشعب الكويتي من مختلف الأجيال والشرائح والفئات.

ولدينا في الكويت مواقع تاريخية منها ساحة "الصفاة" التي شهدت دم كويتي، ولدينا، قديما، سجن سياسي الذي غمرته مشاريع تجارية بوسط المدينة، ولدينا مقر مجلس الأمة القديم والحديث، ولدينا "نادي الاستقلال" الذي اغلقته الحكومة وفقدنا نبضه المدني والثقافي إلى اليوم!

صُنّاع التحولات قد يختارون اليوم التأمل والتحليل، بغاية إفساح المجال للحكومة التي تتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية في آن واحد بعد حل مجلس أمة 2024 وتعليق بعض مواد الدستور لترميم العلاقة مع المؤسسة الدستورية، فالغاية الوطنية تحقيق إصلاحات سياسية شاملة.

صُنّاع التحولات لا يمارسون عناد الأطفال، ولا يعرفون سذاجة الفهم والتحليل، فهم أصحاب بصيرة/ وضمير وطني يحترم التاريخ السياسي، ويخشى الملامة والعداوة وتشويه المكتسبات الدستورية، لذلك يتوهم من يفقد الأمل في صُناع التحولات.

الكويت كبيرة، بل عظيمة في تاريخها السياسي وعظيمة، أيضاً، في تحولاتها السياسية والديمقراطية بوجه خاص، وعظيمة في المبايعة الدستورية بين الحاكم والمحكوم.

في تاريخ الكويت الكبيرة بمساحتها الديمقراطية قصص بعضها خاص، والبعض الآخر عام لكن جميعها قصص وروايات ووقائع تتعلق بتاريخ النضال السياسي ولا يمكن بترها ولا إهمالها ولا اجتزائها من سياقاتها حتى لو تغيرت الظروف، وتبدلت التحديات، وتعطلت الحياة الديمقراطية مؤقتاً.

الأحداث السياسية في الكويت قد ننسى بعضها أو معظمها ولا نتذكر تفاصيلها الدقيقة، لكنها أحداث تعود وتفرض نفسها على الذاكرة، فهي وقائع وقصص لا تسمح لنا بنسيانها، وتظل تعاودنا كلما ألحت الظروف والتحديات من دون سبب يلزمنا باستحضارها!

وتظل الوقائع السياسية التي تختارنا من دون سبب أو مناسبة لتذكرنا بنضال الأجداد والآباء وثوابت دستورية لم تتحقق نتيجة ترف العمل السياسي، بل ارتبطت بالنضال من أجل كويت الماضي قبل تعليق الدستور أكثر من مرة، وكويت اليوم بعد حل مجلس 2024.

ومن أبرز صُنّاع التحولات السياسية والمكتسبات الدستورية، الرمز الوطني الراحل الدكتور أحمد الخطيب، نائب رئيس المجلس التأسيسي، والمناضل العروبي الذي حلت ذكرى وفاته الثالثة في السادس من شهر مارس الجاري، فقد ترك إرثاً وطنياً ليكون الشعب الكويتي وصياً عليه.

صُنّاع التحولات قد يكون منهم من أعضاء لجنة دراسة التعديلات الدستورية المتوقعة، وقد يكون قلة منهم في اللجنة، لكن، بالـتأكيد، يظل هناك صُنّاع مستقبل ديمقراطي واعد من دون تجاوز الثوابت الدستورية، كالمادتين 174 و175 من الدستور.

المادتان 174 و 175 تنظمان الاحكام الدستورية بشأن تنقيح الدستور والتعديلات على الدستور وموضوعاته، والمصادقة عليها. النصوص الدستورية واضحة، ولا تحتمل اللبس ولا التأويل ولا التجاهل ولا الاهمال.

تنص المادة الدستورية 174:

للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة اقتراح تنقيح

الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة

أحكام جديدة إليه. فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين

يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه،

ناقش المجلس المشروع المقترح مادة، وتشترط

إقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس،

ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه

وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من

هذا الدستور. وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو

من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل

مضي سنة على هذا الرفض. ولا يجوز اقتراح تعديل هذا

الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به.

وتص المادة 175:

الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ

الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا

يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة

أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.

لخصت بإيجاز ما دار من نقاشات ونظرات سياسية وإعلامية وأكاديمية بريطانية حول الديمقراطية في الكويت ومستقبلها بعد حل مجلس الأمة في العام 2024 وتعليق بعض مواد الدستور.

*إعلامي كويتي