أديسيوس المركبة الفضائية الأميركية تهبط على القمر، وأديسيوس ملك "إيثاكا" الذي ترك بلاده والتحق بحرب طروادة، هو صاحب فكرة حصان طروادة الذي اقتحم به أبواب العدو وسيطر على عاصمتهم وقتل ملكهم، كما دون ذلك الشاعر اليوناني العظيم هوميروس في أسطورته الشهيرة الإلياذة.
أديسيوس العصر الأميركي تذهب للنزول على القمر في محاولة لاستثماره واقتحام عالم الكون بعد أن تكشفت أجزاء مهمة من غموضه وعتمته، لكن الخوف من أُديسيوس الأميركي أن يقوم بوضع أجهزة تجسس ورصد لما يجري على الأرض التي أرسل إليها العديد من صور القمر وصور الأرض أيضاً، بوضوح غير مسبوق!
صورة الأرض، كوكبنا الأزرق الجميل، هنا يعيش 8 مليار إنسان... أهم المخلوقات بهذا الكون الهيولي اللامحدود. تريليونات من كائنات أخرى، حيوانات، غابات، بحار، أسماك، فضاءات، طيور... وما خفي في باطن الأرض لا يقل دهشة عمَّا يتحرك على ظهرها.
على أديم هذا الكوكب نمت الورود وانطلقت الفراشات وظهر السؤال وتنامى التفكير فتبلورت الحضارات والفلسفات والأديان والأشعار، وتواصل البحث في محنة السؤال عن الوجود والعدم، والإنسان الكائن الأثرى وجد هنا، وليس في أيّ مكان آخر من هذا الكون اللامحدود باتساعه بعد عمر يربو على 14 مليار سنة.
إدهاش عظيم وخيال بلا حدود... وأنت تعيش في كوكب لا يُرى بالعين المجردة في زحمة المجموعات والمجرات والسدم التي لاتحصى، وأنت الوحيد الذي تنظر في آفاقه، وتصدّر له شهادة ميلاد وحياة، ويستمر وجوده مع وجودك، وإلا سيبقى هذا الكون خارج التغطية المعرفية.
إقرأ أيضاً: الديمقراطية الطائفية = دكتاتورية بثياب ملونة
في هذه النقطة التي لا تُرى، والغارقة بالأزرق المبهج، جاءت معرفة مقدمات أو أجزاء من هذا الكون، ولم يتم العثور على الجواب النهائي.
ماذا لو انفلت كوكب الأرض من مداره واصطدم بالكواكب الأخرى؟ سؤال طرحه فيودور دوستويفسكي في إحدى رواياته، واعتقد "الأخوة كارامازوف". في ذلك الوقت، لم يدرك الروائي الكبير أنَّ نظام الكون يقوم على الفيزياء الفلكية التي تتحكم بها عوامل الطاقة والجاذبية، ما يجعل انفلات الكوكب أمر غير وارد حتى مليون سنة مقبلة. إذن، قوانين الطبيعة توفر لنا حماية من الانفلات، وبخلاف ذلك، فإذا حدث هذا الافتراض، فإنَّ الكون يدخل في فوضى التصادم والانفجارات الكونية فوق الكبرى.
يمكن لهذا الكوكب أن يُدمْر ويَنفجر عند حدوث حرب نووية يهدد بها بوتين روسيا أو سلطان العنجهية في كوريا الشمالية كيم جونغ أون!؟
إقرأ أيضاً: الموسيقى الحاضن الوطني الجميل
عند خراب كوكب الأرض، ينتهي تاريخ الكون، لأنَّ الأرض هي من كتبت وعرفت بهذا الكون وتاريخه وصورت جماله الساحر وأسراره الرهيبة؛ نهاية الكوكب يعني الموت الكامل والناجز للإنسان على هذا الكوكب وربما الوجود أيضاً.
هنا تنتهي رحلة 300 ألف سنة أرضية هي عمر الإنسان على الأرض، التي عاشت أكثر من أربعة مليارات من السنين وهي خالية من الإنسان، تستمتع بمعزوفات البحار وأناشيد المطر وزهور الأرض وغناء الريح، وتعطي فسحة أوسع للحيوانات البرية والطيور.
الآن نحن وحدنا بهذا الوجود، لا أدري إذا كانت فكرة هذه الوحدة تبعث على الخوف أم الاطمئنان؟ بعض أفلام السينما الأميركية لوثت صفو الفكر والخيال بنهاية العالم، لكنها تبقى فكرة مرعبة، لأنَّ غيابنا والأرض عن الوجود بفعل النووي سوف يطفئ ضياء الكون ولا يصبح للوجود معنى؛ هكذا يلخص هذا الكون نهاية وجوده بكرات عملاقة من صخور ورمال طائرة وغازات مشتعلة لا تجد من يتدفأ بحرارتها أو يعرف معنى الألوان في أضوائها، ولا أهمية لصناعة الكلوروفيل.
إقرأ أيضاً: القربان الحوثي بعد غزة والقادم أخطر!
كوكبنا "الذرة" التي لاتُرى بالعين المجردة لهو أكثر الكواكب إجراماً وانتهاكاً لشرعية وجوده، لأنَّ تاريخ وجوده كان تاريخاً لإذلال الإنسان ومشاريع القتل والجرائم والحروب وشراهة البشر في تجويع البشر وارتكاب أبشع الإبادات منذ فجر الحروب حتى إبادة شعب غزة!
كوكب يمضي بسرعة جنونية نحو حتفه، بعد أن انتحرت المضامين العظيمة للوجود، وانحرفت الثقافات الجديدة نحو تسافل أدنى من مراتب الوحوش، وانتهكت فطرة الوجود بالجنس والثقافة وموازين الحق، وأعدمت أية فرصة للحفاظ على الكينونة الإنسانية بنقائها الأول، حيث يتقاسمون الرغيف والرداء وكانت المساكن بلا أبواب.
تداعيات حسية وأفكار تتوامض بالخيال دون هدوء كلما أبحرتُ في صورة الأرض وهي تطوف بالفضاء، ولا أدري كم أمضيت من الوقت في الطواف بأرجاء هذا الكون وزيارة الكواكب البعيدة... ثم العودة الى الأرض أمنا وجوهرتنا الثمينة بين الكواكب.
التعليقات