"لقد فقدنا القوة الاجتماعية وتعمقت الفجوات الاجتماعية في المجتمع، ونحن الآن على وشك الفشل. إننا نواجه ظاهرة تسمى التوسع المتزايد لجيش الجياع"؛ کلام غير عادي بخصوص الأوضاع الحالية السائدة في إيران، ولافت للنظر خصوصاً متى صدر عن رضا صالحي أميري، وزير الثقافة والإرشاد السابق في النظام، وأقرب ما يکون إلى اعتراف واضح، يأتي تزامناً مع انتخابات شهدت تدنياً غير مسبوق في نسبة المشاركة الشعبية، بأمرين: عدم رضا الشعب عن النظام والتطلع إلى تغييره!

منذ 2019، وتحديداً بعد انتفاضة 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، أدرك خامنئي خطورة الأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد، وشعر بقلق بالغ من المسافة الزمنية القصيرة بين انتفاضة 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017 و15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ولم يتمکن من تجاهل حقيقة أن الانتفاضتين جاهرتا بالعداء للنظام وأظهرتا الرفض الواضح لنهجه الذي قاد البلاد إلى أزمة حادة عميقة ومتجذرة. لذلك، فإن خامنئي، الذي رأى أن حسن روحاني لم يتمکن خلال ولايتين رئاسيتين من أن يخفف من غلواء السخط الشعبي المتزايد على النظام، بل اندلعت انتفاضتين اثنتين في عهده، شرع بوضع ما يمکن أن نصفه بالخطة "باء" لإنقاذ النظام من أوضاعه السيئة، وذلك بعد أن فشلت الخطة "ألف" التي نفذها روحاني، وأوکل إلى إبراهيم رئيسي مهمة تنفيذها.

من الواضح أن النظام الإيراني، ومنذ أيام الرئيس الأسبق محمد خاتمي، المعروف بکونه رئيس الجناح المسمى بالإصلاحي في النظام، سعى لإتباع بعض المرونة الظاهرية في سياساته الداخلية والخارجية، وذلك من أجل کسب العطف والتأييد الداخلي والخارجي، والإيحاء أن هناك إمکانية لتحقيق تغيير إيجابي في النظام، ولکن مع مرور الأيام، ثبت للشعب الإيراني قبل المراقبين والمحللين السياسيين أنَّ الجناح الأصولي والجناح الاعتدالي هما في الحقيقة وجهان للنظام ذاته، وهذا ما جسدته هتافات المنتفضين في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017.

وكما فشل خاتمي ومن بعده روحاني، فإن رئيسي لم يتمکن من أن يأتي بجديد، بل سار على نفس طريق الفشل، ما عمق من حدة الأزمة التي تضرب البلاد من جانب، وضاعف من مشاعر السخط والغضب والکراهية للنظام، لا سيما أن عهده قد حفل بأقوى وأکبر انتفاضة شعبية ضد النظام، امتدت لأشهر، وفرضت تريث دوائر القرار الدولية في علاقاتها واتصالاتها مع النظام لترى ما قد تنجم عنه وما يتداعى عنها، وهذا بحد ذاته مثل أکبر ضربة لخامنئي خصوصاً وللنظام عموماً، لا سيما أنه کان يعول على رئيسي کثيراً إلى الحد الذي تمت المراهنة عليه کخليفة له، وقد فوجئ بعنف الانتفاضة، وحاول التخفيف من وقعها خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة بأن يحشد لها حضوراً ومشارکة، کمکسب معنوي يعيد الثقة والاعتبار النسبي للنظام، لکن ظهر واضحاً فشله، وهو ما يعني بأن النظام عالق بين سندان الأزمة العميقة التي عبر عنها رضا صالحي أميري، وبين مطرقة الثورة التي ستنزل على رأس خامنئي ونظامه في أي لحظة!

وجه آخر للعملة – کما یقال – یمکن رؤیته في المشهد الإیراني مساء الثلاثاء الماضي 12 آذار (مارس)، موعد الاحتفال بلیلة الأربعاء الأخیرة‌ للسنة‌ الإیرانیة، وفيها یحتفل الإیرانیون بإشعال النیران بصورة‌ جماعیة‌ تعبیرًا عن فرحتهم بانتهاء موسوم الشتاء واقتراب سنة جدیدة. لکن هذا العام، وبالرغم من تأهب قوات الحرس والشرطة ووزارة المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى، والانتشار الكثيف للقوات القمعية، إلا أن التقارير التي وصلت من مختلف المحافظات والمدن منذ اللحظات الأولى بعد غروب الشمس، تفيد أن الشباب الثائر قد حوّل احتفال "جهارشنبه سوري" إلى انتفاضة نارية ضد نظام الملالي المناهض لإيران. وفي جميع المحافظات والعديد من المدن بما في ذلك طهران، أصفهان، قزوين، كرمانشاه، يزد، جرجان، أراك، دزفول، ميانه، بندر عباس، بروجين، جهرم، مشهد، بابل، يزد، سمنان، خاش، رشت، ياسوج، بوشهر، شيراز، كرمانشاه، شهريار، بروجرد، هشتجرد، الأهواز، تبريز، أصفهان، أورميه، خوانسار، كرمان، ساري، كاشان، كرج، شيروان، سنندج، ساوه، قم، مياندوآب، و جيروفت، أشعل الشباب الإيراني النيران وردد شعارات مناهضة للنظام وكتب شعارات على الجدران، احتفاء بالمناسبة.

نعم ... سجل العام الإیراني الذي سینتهي في 20 آذار (مارس) هزیمة شعبیة کبیرة‌ للنظام، سواء في‌ معترك الانتخابات المزیفة أو في المناسبة الاحتفالية التقلیدیة، وهو ما یشیر بکل وضوح إلی مستقبل مشرق وزاهر لانتصار الثورة الشعبیة‌ في طلیعة عید نوروز وبدایة السنة الإیرانیة‌ الجدیدة.