"هناك فارقٌ بين مَن يَكتب عن شيء دون أن يتدرَّب عليه أو يُمارسه، وبين مَن يعمل فيه ويتعامل معه؛ فالقيادة أشبه بالجمال الذي لا تعرفه أو تحس به إلا بعد أن تراه، والقيادة لا تحس بها أو تعرفها ما لم تمارسها؛ لأنها تعبير عن الشخصية في ميدان العمل... فالقيادة خيار وتأثير وليست منصباً".

هكذا بدأَت مقدمة كتاب (المبادئ العشرة للفوز في قيادة وإدارة الآخرين)، للخبير والمدرب البارز محمد صدام السوداني، صديق العمر والذكريات، والمقيم في مسقط، مفجرًا عبر هذا الكتاب تساؤلات عدة لنداءات الدهشة واليقين والشك المعرفي، مجسدًا فكرة ديكارت في الاستنباط: العملية العقلية التي تنقل من الفكرة البديهية إلى الفكرة الأعمق بالتدقيق والتمحيص، وسؤال المعرفة والنقد إلى السؤال عن السؤال.

فالتاريخ مُفعمٌ بنماذج القادة الذين تركوا بصماتٍ عظيمةً في حياة شعوبهم، وهم لا يملكون سلطة رسمية أو مكانة وظيفية أو منصبًا! فلم يكن غاندي يشغل منصبًا رسميًّا في الهند؛ ولكنه استطاع أن يُذيق بريطانيا طعم الهزيمة. ولم يكن نلسن مانديلا في قمة السلطة أو قائدًا رسميًّا؛ إلا أنه استطاع أن يضع حدًّا فاصلًا للتمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وكلاهما حصدا سمعةً تفوق سمعة المنصب.

وتساؤلاتُ الكتاب كثيرة، وهدفُه واضح، ومحتواه عميق المعاني، وخلاصته فكرة جوهرية تقول: "إن المنصب الإداري كفاءة، وليس مكافأة". وبتعبير ستيفن كوفي: القيادة لا يمكن أن تصبح خيارًا عندما ينظر إليها القادة على أنها منصب، وأن ضغوط ومصاعب الحياة ليست ضد الإنسان؛ بل هي لأجله، وسيكتشف من خلالها ماهية الحياة وسر وجوده فيها، وسيفهم مواقف جمَّة لم يكن يفهمها في الماضي، وسيرى بعين بصيرته أشياء لم يكن يراها من قبل.


محمد صدام السوداني

تقوم فلسفة الكتاب على كيفية قيادة وإدارة الآخرين. والقيادة هنا تأخذ معنى أوسع من المفهوم الإداري التقليدي. فهو "لا يُوجَّه إلى مَن هم في الهرم الإداري فحسب؛ بل أن يكون دليل عمل لكل مَن يتطلع ويطمع لممارسة دور القائد، بغض النظر عن موقعه في الأسرة أو العمل، وعن عنوانه الوظيفي". فالقادة نتاج خياراتهم وليس ظروفهم؛ لذلك علينا أن ندرك بأن "خياراتنا هي التي تقرر حياتنا وليس شيءٌ آخر" (ص 5).

فالذات مهمة في بناء الشخصية والقيادة، لذلك عندما تستطيع قيادة الذات بنجاح؛ فهو سر النجاح في الحياة وقيادة الآخرين؛ لذلك "لا يمكن أن تكون عظيمًا في العمل إلا عندما تشعر بالعظمة الشخصية". فالجبل الكبير يتكون من حصى صغيرة، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والعبقرية ليست حِكرًا على أحد. لذلك لم يجعل أديسون من أي محاولة غير ناجحة فشلًا؛ بل عدَّها فرصةً لإزالة عَثْرة أمامه؛ حتى توصَّل إلى اكتشاف الكهرباء.

والمؤلف يرى أن القيادة تتجسَّد بمبادئَ ضروريةٍ أبرزُها: عمل الأشياء الصحيحة، والأخلاق، والكفاءة، وعلاقة المشاركة، والشخصية، وفن التأثير، وامتلاك روح المبادرة في اتخاذ القرارات الجديدة. مثلما هي أيضًا عملية إلهام الأفراد ليقدموا أفضل ما لديهم لتحقيق الابتكار؛ بشرط استيعاب منطق عصر المعلومات والتكنولوجيا، وتجاوز فكرة "القيادي الأوحد" الذي يرى أنه صانعُ المعجزات والنجاحات لمؤسسته؛ لأن التجارب الحديثة الناجحة "تركز على المشاركة في السلطة، والاهتمام بالجودة، وسيادة روح العمل الجماعي، والتوسُّع في استخدام التقنية (ص. 25).

وأهمية الكتاب تتمثل في أن مؤلِّفَه كتَبَه من واقع خبراته الميدانية، وتجاربه العملية؛ سواء من تحصيله الدراسي (ماجستير إدارة أعمال من الولايات المتحدة الأميركية)، أو العمل الإداري، أو خبرته الطويلة في التدريب، وتأليفه لعشرات الكتب ؛ فجاء كتابه هذا ليجسد فكرة الكتابة الحديثة، دون رص "البلوكات" النظرية والأكاديمية التي أصبحت همًّا لطلبة الإدارة، كما كسر الكتاب حاجز المفاهيم التقليدية للقيادة، فأزاح بعض المفاهيم التقليدية التي ترسَّخت خطأ في الممارسة النظرية والعملية؛ لأنَّ "القيادة هي مَن صنع الإنسان وليس المنصب الإداري، فالمنصب الإداري شيء والقيادة شيء آخر".

على المستوى الشخصي، ما زلت مؤمنًا بأن الإدارة هي مزيج من العلم والفن؛ وإن القائد هو بائع الأمل ومانِحه، وهو الذي يستشرف المستقبل ويتنبأ بأحداثه، وأفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي اختراعه له. فلا يكفي أن يكون للقائد عقلٌ جيد؛ بل المهم إن يستخدمه بشكلٍ جيد؛ عقل يستطع أن يجعل الجنة جحيمًا والجحيمَ جنة. فإذا لم تستخدم عقلك فستضطر إلى استخدام أقدامك -كما قيل-. كما يُقدم ستيف جوبس مؤسس شركة "أبل" نصيحة؛ مفادُها: تذكَّر أنك ستموت يومًا ما، وأفضل طريقة هو تجنُّبُ فخِ الاعتقاد بأن لديك شيئًا لتخسره.

عندما تقرأ كتاب السوداني بفصوله العشرة المختلفة؛ ستجد أن أمامك وحدة فكرة مركزية، لها جدوى التفسير والتحليل، وهدفها واضح، وتأثيرها مباشر. سيختصر لك الفكرة بأناقة المعنى، وبسرد عصري بعيد عن لغة الأكاديميين، وعن التنظيرات المدرسية المقولبة.

سيقربك الكتاب من التجربة الميدانية، وسيحقق لك نشوة القراءة، واحترام التجارب والخبرات؛ حينئذٍ ستخرج بفكرة مهمة، وهي: "القيادة ليست منصبًا"، والألقاب الوظيفية لا تجعل منك قائدًا حقيقيًّا؛ لكن أفعالك وتصرفاتك هي الفاصل الذي يُحدث الفارق. والذكاء لا تصنعه عوامل الوراثة فقط؛ وإنما هو مكتَسَب بفعل التجارب والخبرات والتعلُّم من الأخطاء.

سيُطلعك الكتاب على الكثير في الموضوعات والمعاني، ستقرأ عناوين مُبتَكَرة في الحياة والإدارة والقيادة والشخصية والابتكار، منها: "مبدأ التعلم من الإوَز، القائد من يصنع الاختلاف، خرافة قمة الهرم، ماراثون النجاح الخادع للحياة، سحر الاستقامة، حكمة الله في أذنيْن ولسان واحد، الأفكار قبل المشاعر، النورس في كل مكان، درس من العصافير، أنت الذي يختار كيف يعيش النجاح، ليس المهم أن تكون في القمة، التحرر من الأنين المتواصل".

موجز القول، هذا الكتاب ثريٌّ في معانيه، متفرد في أسلوبه العصري، واضح الفكرة، يتَّسم بواقعية عملية مستنبَطة من خبرات العلم والتدريب والتأليف؛ فقد كشف لنا حقائق الذات وفن القيادة، وكسر حدة "التابوهات" الشرقية لمعنى المنصب والقيادة، والهوس بهما. فرسم لنا خارطة طريق في كيفية أن تكون قائدًا ناجحًا في إدارة الحياة والعمل.

الخاتمة: حكمة الكتاب تقول لك: لا تبحث عن المنصب فهو وهمٌ كبير، وزائلٌ بحكم المزاج والتخلُّف والزمن، فأنت مَن تصنع القيادة لنفسك؛ فلا "أحد يستطيع سلبَها منك، أو حجبَها عنك"؛ لأنها مسجَّلةٌ باسمك في "طابو" التاريخ!