الطفل في مجتمعنا العربي لم يأخذ حقه كاملاً من الرعاية والعناية، بالرغم من الإمكانات البشرية والمادية المتوافرة، في الوقت الذي يسعى الأهل جاهدين عبر قنوات الاتصال المختلفة إلى تنمية مداركه، ومدّه بالعديد من الثقافات الهادفة التي يجب أن يعيها بأساليب مبسطة.

وفي الفترة الأخيرة، بدأ سيل من الثقافات الغربيّة يغزو أفكار الطفل عن طريق المجلات المختلفة ومسلسلات الكبار المتنوعة، وأفلام الرعب بما تحمله من إثارة وعنف، وقيام بعض دور النشر بتوزيع ما تحمله تلك الأفلام والمسلسلات في أشكال قرطاسيات وملصقات تثير اهتمام الطفل. كما أنتجت مصانع النسيج والأقمشة ملابس للأطفال والكبار تحمل رسوم أبطال تلك الأفلام والبرامج التلفزيونية بغرض الترويج للسلعة، والربح.

لكن.. ما الذي فعلناه نحن لصد هذا الهجوم الثقافي على أطفالنا؟

حتى الآن، لم نجد من يتصدى لهذا الغزو على عقول أطفالنا في بلادنا العربية. وحتى الآن، لا تزال عقول الأطفال تهفو للمزيد من ذلك الصخب وذلك الضجيج المثار حول تلك البرامج!

وعليه، نحن في مواجهة سؤال هام وملحّ: ماذا عن مجلات الأطفال العربيّة؟ وما دورها إزاء التصدّي لهذه الهجمة الضارية على عقول أطفالنا؟ سؤال أحاول البحث عن إجابة شافية له، وهأنذا أتصفّح مجموعة من مجلات الأطفال المتنوعة التي تصدرها دور نشر منها عربية، التي يطالعها الأطفال العرب. للأسف هذه النوعية من المجلات كثيرة بالنسبة لعدد مجلات الأطفال العربية، وهذه المجلات تحمل جميعاً أسماء خارقة، لأبطال خوارق، وكل بطل من هؤلاء الأبطال يحيا في عوالم أخرى، وأزمنة أخرى لا يملك الطفل إلّا أن يصدّق وجودها بغض النظر عن إدراكها، وذلك لأن تلك الشخصية الخارقة تعيش مع القارئ الصغير منذ الغلاف الأول وحتى الصفحة الأخيرة عبر القصص المغرقة في الخيال بعيداً عن عالمنا وواقعنا وتحمل من الأسماء والمعلومات ما يفوق تصور ذلك الكائن الصغير، الطفل.

إقرأ أيضاً: في الرقة.. متى يصحو أهلها من أفكار داعش؟

لكنها بما تحمل من إثارة ومغامرات مصوّرة تحلق بذلك المخلوق الصغير عبر آلاف السنين، وعبر متاهات خيالية لا يلبث إلّا أن ينقاد لها ويسير معها طوعاً وشوقاً لمعرفة المزيد، والمزيد من تلك الخوارق.

وبالرغم من ذلك، فإنَّ الهدف النهائي من كل قصة خارقة يظهر واضحاً ألا وهو الخير والشر وانتصار الخير دائماً.

لكن أليس بإمكاننا غرس هذا المبدأ وتنميته ضمن قصص أقرب إلى مدارك الطفل سواء في نماذجها أو في طريقة عرض القصة ومعالجتها؟!

أما النوع الثاني: فتلك المجلات ذات الموضوعات المترجمة عن الشخصيات الكرتونية "الرسوم المتحركة" المشهورة لدى الطفل، وهي رسوم لحيوانات أو طيور، أو بشر ولكن بأشكال جذّابة وألوان جميلة وممتعة، وهذه القصص تترجم عن القصص الأجنبية حاملة معها كل ما في المجتمعات الأجنبية من عادات، وتقاليد وقيم تعكس آثارها السيئة على النشء العربي.

إقرأ أيضاً: المرأة خصب الحياة

وهناك بعض المجلات تحتوي على جزء كبير من الصفحات المخصصة للمسابقات الفكرية والثقافية التي تفوق مستوى وإدراك الطفل كذلك تحوي عدّة صفحات لرسائل الأطفال وهواة التعارف وصور الفائزين في المسابقات، وبعض المجلات تسعى لجذب أكبر عدد من القراء بطرح أغلى أنواع الجوائز من آن لآخر، وازدادت مبيعاتها سريعاً وذلك لأنها اعتمدت على بعض المسلسلات التلفزيونية التي عرضتها ولاقت نجاحاً من قبل الجماهير المختلفة، والتي قدمت في معظهما قصصاً أسطورية بعيدة جداً عن الواقع، مما شجع بعض المجلات الأخرى على إفراد عدد من صفحاتها لمثل هذه القصص المستمدة من أساطير الجان والعفاريت والقوى الغامضة، والقصد من ذلك هو أن تحقق المجلة أكبر قدر من الربح، بغض النظر عن المضمون، وعن المحتوى الذي تأسست من أجله المجلة، وإن كانت تهدف إلى توعية الطفل ورصد ما يهمه، والافادة من كل ما يمكن أن يخدمه فكرياً وذهنياً، وهذا ما تقوم وتفاخر به أغلب مجلات الأطفال سواء في بلادنا العربية، أو حتى في غيرها من البلاد الأوربية، وهذا منه كثير!

إقرأ أيضاً: الطلاق أبغض الحلال

ومع وجود تلك النوعيات التجارية تطالعنا نوعيات أخرى... إحداها ظهرت للطفل يقل عمره عن الست سنوات، وهي مجلة ثقافية علمية مصورة ذات رسوم زاهية، ومزايا تربوية متعددة نالت اعجاب الطفل واستحسانه، إلّا أن بعضاً من الصغار كانوا ينظرون إلى المجلة في واجهة المكتبات وتملأ أنفسهم الحسرة لعدم قدرتهم على اقتنائها نتيجة لارتفاع سعرها، ونوعية أخرى من المجلات نالت إعجاب الطفل واستحسانه لاحتوائها الرسم الملون، والصور الجميلة، والأنشودة العذبة والقصة الهادفة لكنها مع ذلك تسعى لتطبيع ذلك الطفل بمبادئ تصدر عنها المجلة.

الكثير يعتقد أنَّ الطفل مخلوق لا يدرك جيداً ما يتلقاه من المعرفة، لكننا نجهل أن هذا الطفل تترسب في ذاكرته كل المعطيات التي يحصل عليها فيما بعد. ماذا لو قمنا بنقل تلك المجلات للطفل، ولكن بعد التعديل المناسب على كل جزء فيها حتى لا نعطي أطفالنا ما يتناقض مع مجتمعاتهم وتراثهم؟