أكثر من خمسة شهور مضت على الحرب في غزة، وبالرغم من حلول شهر رمضان المبارك، إلا أنَّ بوادر الهدنة أو الحل السياسي لم تظهر بعد، لتضع الشعب الغزاوي أمام محنة إنسانية تجلت في مجاعة لم تحدث في التاريخ القريب، وسط نيران الحرب التي لم تهدأ بعد.

وبالرغم من استمرار نيران الحرب التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتجويع الشعب الفلسطيني، إلا أنهم بدأوا في صيام شهر رمضان مع استمرار القصف والمجازر الإسرائيلية واحتدام المعارك وتفاقم الجوع في جميع أنحاء القطاع، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لنهاية الحرب، ولكن هل ستكون الحرب الدائرة في غزة مقدمة لمشهد جديد في للشرق الأوسط؟

يبدو أن الأمور في غزة ما زالت على صفيح ساخن، فلم ترحم حكومة بنيامين نتنياهو قدسية رمضان، بل استكملت مسلسل "المجازر والتجويع" الذي يستهدف أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني محتجزين في دور إيواء ووسط الخلاء، حيث تصر على مهاجمة رفح بالرغم من الرفض الدولي لذلك، حتى أن الإدارة الأميركية رفضت وشجبت بشدة، لكن من يستجيب؟!

أيضا تعثرت المفاوضات التي تقودها مصر بين حماس وإسرائيل ووصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت الطرفين الذي لا يدفع ثمنه سوى المدنيين الأبرياء، لكن من الواضح أن التصعيد الإسرائيلي المستمر داخل قطاع غزة وخاصة في رفح، لن يأتي بالخير على الجميع، خاصة إسرائيل، فما زالت دولة الاحتلال تناطح الجميع وترفض التفاوض إلا بشروطها التي ترفضها حماس بقوة، حتى أن تل أبيب ترفض توصيات أميركا بشأن وقف إطلاق النار وعدم اقتحام رفح، فما زالت تهدد وتتوعد باستمرار الحرب واقتحام رفح لترتكب مجازر جديدة ضد الشعب الفلسطيني وتلطخ التاريخ بدماء الأبرياء، لتؤكد عن جدارة أنها تطبق سيناريو الإبادة الجماعية بحذافيره دون أن تنصاع لاعتبارات إنسانية.

وتواصل إسرائيل مسلسل استباحة غزة والشعب الفلسطيني الذي يواصل نضاله في البقاء على أرضه ولا يتنازل عن قضيته، لكنها تستهدف التطهير العرقي للفلسطينيين دون الالتزام بأي قوانين دولية أو أعراف إنسانية، مستخفة بجميع دول العالم التي تنادي يومياً بوقف الحرب وحقن دماء المدنيين، فما زالت الرواية الصهيونية مستمرة في قتل كل ما هو فلسطيني حتى تصفية القضية من الوجود.

مؤخراً، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إسرائيل لاحترام قدسية شهر رمضان، ووقف إطلاق النار في غزة، فيما أكد البيت الأبيض أنَّ جهود التوصل لوقف مؤقت لإطلاق النار مستمرة، لكن في المقابل قال الجيش الإسرائيلي إن وحدة تابعة لفرقة الكوماندوز تواصل قتالها في مدينة حمد في خان يونس جنوب قطاع غزة، وتستمر في شن عمليات دهم وتمشيط، كما يواصل هجماته بمنطقة القرارة، ليواصل عدوانه الذي خلف 31 ألفاً و122 شهيداً، و72 ألفاً و760 مصاباً منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بينهم 72 بالمئة من الأطفال والنساء... فإلى متى سيستمر هذا في حين لم يطلب أهل غزة إلا السلام المستدام وتخفيف المعاناة وإنقاذهم من براثن المجاعة والموت في أي لحظة.

تصريحات نتنياهو أن لدى إسرائيل اتفاقات واختلافات مع الولايات المتحدة بشأن الأهداف الأساسية وكيفية تحقيقها، متوعداً باستمرار الحرب لتدمير حماس، تؤكد أنه لا يريد حلولاً، وأن وقف الحرب والجلوس إلى مائدة تفاوض لن يأتي إلا بعد رحيل حكومته.

ويدعو للتفاؤل موقف بلجيكا، التي أعلنت دعمها بشكل كامل القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب "جرائم إبادة جماعية"، في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون أن تصدر المحكمة الشهر الجاري حكماً بشأن قرار عاجل محتمل يأمر إسرائيل بوقف العدوان، لكنها لن تبتّ سريعاً في اتهامات الإبادة الجماعية لأن هذه المسألة قد تستغرق سنوات.

وسط كل هذه التطورات، بدأت ترتسم ملامح مشهد جديد في الشرق الأوسط بعودة التفاوض بين إسرائيل وحماس، وبزوغ فكرة حل الدولتين من جديد لتنعم فلسطين بحياة شبه هادئة، لكن ربما لن يتحقق هذا إلا برحيل نتنياهو وحكومته.