طلقها بالثلاثة! هذه المرّة الأولى في حياتي التي أقف فيها واجماً إلى جانب صديق وهو يرمي الطلاق على زوجته بعد عِشرة طويلة وصاخبة. أكثر من عشرين عاماً عاشها مع زوجته وأولاده الستة في غربة حقيقية، وفي عراك مع الحياة لم يتوقف.

الطلقات الثلاث هزّتني من الداخل. اغرورقت عيناي بالدمع وأنا أشاهد هذا الموقف الغريب. لم أتحمّل فداحة المشهد، خرجت على الفور إلى ساحة الشقة الصغيرة التي أقيم فيها مع أسرتي على ضوء سماعي ما تفوّه به صديقي.

طأطأت الرأس حزيناً. تلك المرّة الأولى التي أكون فيها شاهداً على إشهار طلاق زوج وزوجته. كانت بمثابة عيارات نارية فجّرت اليأس ولم أتحمّل صداها.

صحيح أنَّ الطلاق سهل التداول، ومشروعيته حلال، إلّا أنّه أبغض الحلال. هكذا وصفه الخالق سبحانه تعالى. الضرورات، وكما يقال، تبيح المحظورات، لا سيما أنّ النتائج التي وصل إليها الطرفان تستدعي الانفصال عن بعضهما، وهذه النتيجة لم تأت ـ بالتأكيد ـ عن عبث، ولم يكن اتخاذ القرار فيها سريعاً، وحسمه جاء بعد إلحاح من قبل الزوجة. إلحاحها المتكرّر، وقناعتها التامّة بالانفصال لم يكن بغفلة منها، وإنما عن سابق إصرار، بالرغم من أنَّ المشكلة تتعاظم وتحيط بها أولاد بعمر الورود.

أفراد الأسرة عددها كبير، وإصرار الزوجة وقناعتها بفك الارتباط مع زوجها والخلاص من عقد النكاح بعد فترة زمنية طويلة قضوها معاً.

المعاناة كبيرة يتحمّل وزرها الأب والأم على السواء. لم يكن الزواج يشكل بينهما أي بادرة حب بالمطلق. مع بداية الارتباط والسكون إلى بعض، كان الخلاف ما يعيق العلاقة الزوجية بينهما. كل يعيش بواد، ولم يحسما أمرهما في الانفصال عن بعض منذ البدايات الأولى التي سبقت عقد الزواج الذي لم يكن متكافئاً، وبالرغم من ذلك، استمر الزواج سنوات، والنتيجة تتويجه بالانفصال بصورة نهائية، والخاسر من كل ذلك، بالتأكيد، الأبناء، وأصغرهم طفلاً في الرابعة من عمره.

لا شكّ أنّ وجه العلاقة، وقبل سفر الزوجة والأبناء إلى حيث يقيم والدهم في بلاد الاغتراب، كان يشوبها عدم الرضا، وكثيراً ما كان يقع الخلاف بينهما.

خلاف على أبسط الأشياء، لأنه لم يكن يدرك الطرفين مع بداية الفترة التي كانا يراسلان بعضهما بعضاً، وقبل سفر الزوجة وأبنائها إلى البلد التي يقيم فيه زوجها الذي تركها، ولأكثر من ثلاث سنوات إلى حلقات من البؤس والألم وتحمّل الكثير من المؤسيات والقهر، وبالرغم من ذلك، لم يُقصّر في إرسال ما يحتاجون من مبالغ مالية تسدّ احتياجاتهم، وهذا لم يلغ رغبة الزوجة في الانفصال من زوجها وطلب الطلاق في أكثر من مرّة، لا سيما أنّ العلاقة قائمة على عدم الرضا والاهتمام.

الخلاف كبير، ولا يمكن حلّه بالإطراء، أو بالحديث المعسول. لا أبداً، وفرصة الحلول مُبعدة تماماً لأنها غير كافية لا رضاء الطرفين.

وقْع الطلاق في الواقع كان صدمة بالنسبة إليَّ شخصياً، وللكثير من معارفهم، وأفقدني كثيراً من مفرحات الحياة التي يعرفها معي كثيرون. حاولت وحاول معي غيري من الأصدقاء العمل جاهدين على لم الشمل وإلغاء هذه النتيجة التي ليست بالبسيطة واستبعادها من تفكيرهم بصورة نهائية، والاستئناس لأي حل يرضي الطرفين.

عودة العلاقة إلى ما كانت عليه كان فيها الكثير من التحديات، والعمل على استرضاء الزوجة وحتى الزوج كان يشوبه الكثير من المنغصات التي تقف حجر عثرة في أي تقدم بهذا الاتجاه. والزوجة تصرُّ على الطلاق مهما كانت المغريات والنتائج، والأسباب بات يعرفها الأصدقاء. المحاولات باءت بالفشل والطلاق وقع إلّا أنَّ ذلك لا يعني الفراق الأبدي. الأيام القادمة كفيلة ـ في حال كانت الرغبة قائمة ـ على تجاوز ما شكّل عائقاً أمامهم. بالكلمة الطيبة والرغبة، وتلبية حاجة الزوجة، وتجسيد أحلامها التي كانت ترسم لها، وإعادة النظر بكل ما سبق، كرمى عيون الأبناء الذين لم يعودوا صغاراً، في ظل كل ذلك بالإمكان رسم خط العودة، لا سيما أنّ الأبناء بحاجة ملحّة إلى رعاية كريمة، وإشراف مباشر من قبل الأب وحنانه لتجاوز وجهات النظر بالعمل على تطبيقها على أرض الواقع، وهذا ما نتأمل أن يحدث تغييراً في قادم الأيام.