زيارة العراق
"لماذا تزور العراق كل عام؟" سؤال يطرحه عليّ بعض الأصدقاء باستغراب. في عالم مليء بالوجهات السياحية الخلابة، لماذا أختار مكانًا يرتبط في أذهان الكثيرين بالصراع والاضطراب؟

أبدأ جوابي بأجمل ما يحضرني ألا وهو الضيافة العربية وجمال روح الكرد. إذ لا ينحصر سحر العراق وكردستان في معالمهما التاريخية أو طبيعتهما الخلابة، بل يكمن جوهرهما في كرم الشعب وطيبته. فمع كل خطوة، أكتشف أنني محاط بقلوب دافئة وحفاوة لا مثيل لها. يفتحون لك قلوبهم قبل أبواب بيوتهم، ويقدمون لك أفضل ما لديهم دون تردد. والغريب أنَّ كرم الفقراء في العراق يسابق كرم الأغنياء وقد يتفوق عليه بنسبة العطاء.

لماذا تجربة فريدة
يتجاوز السفر إلى العراق وكردستان حدود الزيارات التقليدية إلى وجهة سياحية. إنه رحلة إلى قلب ثقافة غنية وتاريخ عريق. إنه شعور بالانتماء إلى عائلة كبيرة. وهذا ما عايشه الأصدقاء والصديقات اللذين رافقوني في رحلاتي إلى العراق منذ عام 2012.

البحث عن الإيجابية
يسألني بعض الأصدقاء ألا ترى سلبيات المجتمع؟ لا ينكر أحد أنَّ العراق وكردستان واجهتا تحديات كبيرة خلال العقد الماضي، سلبيات تكاد لا تحصى. لكنني أؤمن بأن التركيز على النواحي الإيجابية هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل أفضل، ولا تفوتني فرصة لنقد السلوكيات السلبية وخصوصاً عدم إدراك القيادات لحجم المشاكل المستقبلية، من مشاكل المياه، والبطالة المقنعة والفساد، وأحاول دائمًا أن أكون صوتًا للتغيير الإيجابي.

إلا أنني أسعى خلال رحلتي إلى اكتشاف قصص النجاح والإلهام التي تُظهر روح الشعب العراقي القوية وقدرته على التغلب على الصعاب، وهذا ما قدمته الى ضيوفي الذين زاروا العراق من العرب والنرويجيين وأعجبوا به.

الإحراج
منذ عام 2008 وانا أشجع أصدقائي على الاستثمار في العراق وكردستان، وفعلاً وفقت بأن قام الكثير منهم بالاستثمار في إقليم كردستان وقسم في أنحاء أخرى من العراق مثل الموصل وبغداد. الإشكالية الكبرى في الرؤية الاقتصادية حدثت بعد 2014، ودخول داعش وسقوط الأسعار ومن ثم التحرير وارتفاع الأسعار، إذ رصد المستثمرون من إخواننا الكرد والأجانب الذين استثمروا في الإقليم أن هناك فرق شاسع في الأسعار بين ما استثمروا فيه ألا وهو عادة في الأملاك، أن الأملاك وتقريباً في كل أرجاء العراق تضاعفت عدة أضعاف بينما في الإقليم لم تصل إلى أسعار الشراء، والنرويجيون لا يفهمون كيف يمكن أن يكون هذا الفرق الشاسع بين مناطق في نفس البلد ولا تبعد عن بعضها سوى بضعة أميال، وبالرغم من ذلك، يمكنني توضيح هذا الأمر وربطه بالخلاف السياسي الاقتصادي بين المركز والإقليم.

إلا أن ما لا يمكنني تبريره هو ما حدث في بعض المشاريع، مثال ذلك في دهوك، خصوصاً ما حدث في سفرة 2021، اذ أخذت بعض الأصدقاء إلى كردستان وبالصدفة البحتة علمنا بمشروع مجمع اسمه آريا سيتي في محافظة دهوك، وعلمنا أنَّ الشركة معترف بها في الإقليم، فاشترى بعض الأصدقاء شققاً فيها ووعدنا النرويجيين أنهم سيسكنون فيها بعد استلامها، وكان الاتفاق أنَّ التسليم كان قبل أكثر من عام مع شروط وغرامات تأخيرية.

تأخر موعد التسليم قليلاً فاعتذر أصدقائي من النرويجيين مجدداً، ونحن قد اعتدنا على التأخير، فتأجلت موعد زيارتهم المرتقبة إلى العراق، وأجلت للمرة الثانية والثالثة،، وقبل أشهر سمعنا بأن الشركة قد أساءت استخدام نقود المستثمرين، أمر أدى الى تدخل الدولة مشكورة بأعلى قياداتها تجاوباً مع خروج المواطنين المتضررين لحل هذا الإشكال بمظاهرة احتجاج، فشعرت كما شعر غيري بأن الحل بات وشيكاً، فأبلغ أصدقائي أصدقاءهم النرويجيين بأنَّ القضية حلت، وسوف نسافر قريباً. إلا أنَّ المشروع تلكأ مجدداً، والحكومة لم تتابع تنفيذ قراراتها، ومعظم المستثمرين يشعرون بالإحباط، واكتشفت لاحقاً أن مثل هذه الأمور قد حدثت في أنحاء أخرى في العراق، ومن ضمنها العاصمة بغداد.

الحقيقة لا أنا، ابن العراق، ولا النرويجيين، يستطيعون أن يفهموا هذا الوضع، وأقولها صريحة، أخشى في هذا اليوم أن أنصح بالاستثمار في العراق كما كنت أفعل سابقاً، فلا شي مضمون... لا الدولة تتحمل المسؤولية ولا توجد شركات تأمين كفيلة بضمان الحقوق. أتمنى أن تدرك حكوماتنا أن سمعة العراق ترتبط بضمان حقوق الناس، وعلى كل القيادات العراقية بذل المزيد من الجهود لضمان بيئة استثمارية متماثلة وآمنة تحرص على أموال المستثمرين كما تحرص على حقوق المواطن وحلمه البسيط.