فشل الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بإقناع إسرائيل بإيقاف الحرب في غزة دفعه للإعلان عن إنشاء ميناء مؤقت على شواطئ غزة لإيصال المساعدات لأكثر من مليوني فلسطيني محاصر ومهدد بالموت، في محاولة للتغطية على الموقف الإجرامي لإسرائيل ومساهمة أميركية بإنهاء الأزمة، لكنَّ هذه الخطوة لا تمثل حلاً للأزمة بقدر ما تخلق أزمة جديدة، لأنَّ زمن إنشاء الميناء يستغرق شهرين في أقصر فترة زمنية، كما يضع المورد الغذائي تحت تصرف السلطات الإسرائيلية في ظل ظروف القتل اليومي الممنهج وأجواء الحرمان الكامل من مستلزمات الحياة بشروطها الدنيا.

تمادي إسرائيل وعدم استجابتها لطلبات الإدارة الأميركية يؤشِّر لتحول نوعي في معيارية العلاقة بينهما، مايجعل الكيان الصهيوني لا يستجيب للطلب الأميركي الضاغط، كما يؤكد مرة أخرى هزالة وضعف إدارة بايدن والديمقراطيين بنحو عام إزاءَ أحداث الشرق الأوسط عموماً، وهو ما يظهر جلياً في أحداث البحر الأحمر وباب المندب والموقف المهادن من الفصائل المسلحة القريبة من إيران.

إسرائيل لا تصغي لأي نداء إنساني، ولا تردعها أية قوانين دولية أو أخلاقية. إسرائيل تتوقف أمام القوة المضادة لها ميدانياً، وتطالب العالم بالتحرك لوقف القتال والاستسلام عندما تشعر أنها ضعيفة وبلا قدرة على استمرار الحرب، وفي حرب غزة جنحت إسرائيل نحو استضعاف الطرف الفلسطيني، وخصوصاً المدنيين المسالمين، واستباحت جميع القوانين الدولية والمحرمات الإنسانية بعد ارتدائها لعقلية الـ"حريديم" ومبدأ قتل الأغيار الذي ينادي به التعصب اليهودي المتطرف.

الموقف الإسرائيلي وتمادي ماكنته الحربية في قتل وتدمير قطاع غزة بجميع مدنه من الشمال إلى الجنوب يضع دول العالم في موضع حرج جداً، خصوصاً منظومة الدول العربية ودول مجلس الأمن وغالبية الدول التي تناشد إسرائيل وقف القتل اليومي منذ بدء العدوان الوحشي على غزة، وبعد خمسة أشهر من تدمير ممنهج صارت إسرائيل تدرك تماماً أنَّ قوة الأنفاق وقوة الرد الفلسطيني قد تراجعت كثيراً بعد مقتل الآلاف من مقاتلي حماس، وما يزيد على 100 ألف فلسطيني بين قتيل ومعاق ومدفون تحت الأنقاض، لكن يبدو أنَّ هذا الكيان الطريد التاريخي من مجتمعات أوروبا قد أوغل بعيداً في عقلية الانتقام التي ترسخت في أعماقه، وتصاعدت الآن لكي تُفرّغ موروث الإذلال النفسي الذي عاشه اليهود في علاقتهم بالجنس البشري، تُفرغ الآن في شعب أعزل ومنهك في مسعى صهيوني عنصري لكسب معنى مزيف للشجاعة والانتصار الذي يخلو منه تاريخهم الأسود!؟

أحداث غزة تضع الأنظمة العربية أمام سؤال القوة، نعم القوة بأعلى مراتب الردع الذي يفهمه الكيان الصهيوني بمؤسسته الدينية المتطرفة ومنظومته السياسية وترسانته العسكرية، السلاح النووي هو الوحيد الذي يستطيع أن يوقف التمادي الإسرائيلي وينزل به من فضاء العجرفة إلى أرض الواقع في التعامل باحترام مع شعوب الأرض ودياناتها، وخصوصاً الشعوب العربية التي سوف تستمر بحربها ضدها على وفق خرافة إسرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات).

السلاح النووي الذي اشتغلت إسرائيل وأميركا على إجهاضه في العراق عام 1981 أجهض قوة الردع التي تخشاها إسرائيل. لقد أدرك العراق في وقت مبكر بعد حرب 1973 أهمية خلق توازن بالقوة والردع مع إسرائيل، لكن الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988) جعلت الفرصة سانحة لإسرائيل لشن هجوم جوي بأحدث طائراتها وأجهزة راداراتها المتقدمة، انتهى بتدمير مفاعل تموز النووي.

منذ تدمير المفاعل النووي العراقي لم تفكر دولة عربية بالحصول على السلاح النووي، فالدول العربية انشغلت بحروبها الداخلية، ولسنين طويلة غابت قضية فلسطين وفكرة العدو الصهيوني وحل بدلاً عنها العدو الطائفي والمذهبي والديني، انحدارات مجتمعية نحو أهداف تخلو من قيم المعرفة والتقدم ومراكز البحوث وغيرها من استراتيجيات صناعة القوة، حتى الدول الغنية مثل دول الخليج العربي التي اعتمدت السياسة الرشيدة والبناء الاقتصادي والتطور الصناعي والتنمية المستدامة، أصبحت اليوم بمسيس الحاجة لامتلاك مفاعلات نووية، بل سلاح نووي طالما أنَّ دول الجوار العربي تمتلك السلاح النووي مثل إسرائيل وكذلك إيران في طريقها لامتلاكه، ولعل الدولة العربية الأقدر والأجدر على امتلاك السلاح النووي هي المملكة العربية السعودية بحكم استقرارها السياسي وقدراتها الاقتصادية العالية إضافة إلى كونها قد أصبحت قطباً عالميا في مشاريع الطاقة وصناعاتها والنقل والتكنولوجيا والبيئة، الأمر الذي يُعطي لها الحق بامتلاك سلاح نووي للحفاظ على هذه المنجزات التي تعد مشاريع مشتركة بينها وبين دول العالم أجمع.

جاءت اللحظة التاريخية لكي يتحول نشيد الحلم العربي إلى نشيد الحلم النووي، مع الذكر الطيب للراحل الفنان حلمي بكر ملحن أوبريت الحلم العربي، فهذا زمن النووي بعد أن فقدت العلاقات الدولية قيمها الإنسانية والأخلاقية التي تقترحها الثقافة الدبلوماسية وجعلت إسرائيل تعلن العصيان على قوانين الأرض والسماء، وتستبدلها بدبلوماسية القوة الغاشمة!