* تُعبر أشهر صحيفة رياضية إيطالية ‏«لاغازيتا دييلو سبورت» عن نفسها بما يلي: "تلعب الصحافة الرياضية دورًا اجتماعيًا مهمًا، ومن دونها فإن كل إيطالي سيصبح جاهلًا، لقد ساعدنا الناس أن يقرأوا".

واذا ما استثنينا عبارة "ومن دونها فإن كل …. سيصبح جاهلًا"، فإن ذات الدور لعبته حرفيًا صحيفة الشباب العربي "الرياضية"، وخاصةً مع الناشئة في السعودية طوال الأربعة عقود الماضية من عام 1987 إلى 18 من كانون الثاني (يناير) الماضي 2024، والذي شهد صدور العدد الورقي الأخير؛ حيث ساهمت "الوردية" مساهمة كبيرة وبطريقة غير مباشرة في تحفيز الكثير من الشبان على القراءة، حتى صارت هوايةً أولًا، قبل أن يتم التعود عليها وتتعمق في النفوس مع التقدم بالعمر لتصبح "أسلوب حياة" ثانيًا، وبالرغم من أن البعض يقلل أحيانًا من القراءة في مجال الرياضة، لكنها بالتأكيد تُعتبر مدخلًا مُهمًا وقاعدةً محفزةً للتطور والشغف ورفع مستوى القراءة والمعرفة مستقبلًا بشكلٍ عام، ولذلك فالكثير في مجتمعنا بدأ مُحبًا للقراءة من بوابة الرياضة كما هو الحال مع صحيفة "الرياضية"، أو من خلال متابعة الأقسام الرياضية بمختلف صحفنا المحلية، ثم انطلق محلقًا بعد ذلك في أفاقٍ أرحب ومجالاتٍ أكثر وأكبر قبل أن يُصبح كاتبًا أو مثقفًا أو أديبًا أو شاعرًا أو مفكرًا أو غير ذلك، ومن هنا فالرياضية الصحيفة لها فضل كبير بعد الله في تعزيز القراءة وتكوين الثقافة وزيادة الوعي والمعرفة لدى أجيال كثيرة.

* وأعترف بأني أحد من يُدين بحب القراءة للرياضية ولغيرها من باقي صُحفنا المحلية، ولذلك ما أزال غير مستوعب، وبالرغم من مرور حوالى الشهرين حتى الآن، بأنه لم يعد بمقدورنا مُشاهدة صحيفة "الرياضية" عبر أرفف الصُحف بالأسواق والمكتبات مرةً أخرى، وأنها توقفت نهائيًا عن الصدور ورقيًا؛ بالرغم من معرفتنا مُسبقًا بأنها النهاية الحتمية والمتوقعة لكل الصحف خاصةً، والصحف الورقية كما يعلم الجميع تلفظ أنفاسها منذ فترةٍ ليست بالقصيرة لظروفٍ كثيرة منها توقف الدعم، وتسرب المُعلنين لمنصات أخرى؛ بالإضافة إلى ابتعاد الجيل الحالي كُل البعد عن قراءة الصحف وانشغاله بمتابعة وسائل التواصل الحديثة، وهو ما انعكس أيضًا في تضاءل الشغف بالقراءة بشكلٍ عام؛ لكن على الأقل من تربوا ونشأوا على مصافحة الفاتنة "الوردية" يوميًا كان من الصعب عليهم ذلك الفُراق المُر والمفاجىء؛ أما عن الذكريات معها فهي أكثر من أن نوجزها هنا، ولكن أكتفي بشيءٍ من ذلك، فقد كُنا ومن شدة الإقبال عليها في أواخر التسعينيَْات الميلادية، ونحن حينها طلابًا بالمرحلة الثانوية، وتحديدًا حين كُنا نسكن بمدينة الملك فيصل العسكرية في محافظة خميس مشيط، نضطر لحجزها من اليوم السابق، وكان يشاركني في ذلك الشغف الصديق العزيز والصحفي لاحقًا علي بن دعرم، حيث كانت تنفذ الصحيفة في لحظات من السوبر ماركت الوحيد الذي كان يوفر الصحف بالمدينة العسكرية، بالرغم من توفير أكثر من 200 نسخة يوميًا، ولا زلت أتذكر قصة أحد الأعداد المحجوزة حيث انطلقت مهرولًا بعد رن جرس الحصة الأخيرة بالمدرسة لاقتنائه، وكان بعد مباراة للهلال والنصر عام 1997، والتي أُصيب فيها الكابتن عبدالله الشريدة - رحمه الله - وكُنا ولعدم وجود أية برامج أو وسائل تواصل لا نعلم عن مصير اللاعب، وآخر ما شاهدناه عبر التلفاز لحظة سقوطه على الأرض في وضعٍ مُرعب قبل أن يخرج محمولًا بسيارة الإسعاف متأثرًا بالإصابة الخطيرة التي كان قد تعرض لها جراء ضربة كوع تلقاها من مهاجم النصر الغاني أوهين كينيدي، وعند الوصول للماركت واستلام الجريدة المحجوزة صُعقت بالمانشيت العريض المدون بالصفحة الأولى والذي جاء فيه: "الشريدة .. مات"، وتأثرت وقتها تأثرًا كبيرًا وأخذت أُخبر كل من كان حولي بأن عبد الله الشريدة قد مات، وحين وصلت للمنزل وأخذت في تصفح الجريدة مرةً أخرى وجدت مكتوبًا وبجانب المانشيت الصادم وبخطٍ أقل وضوحًا "شائعة رددها عديمو الضمير"! ، وللأمانة وكما نمتدح "الرياضية" الآن، إلا أن ذلك المانشيت كان أحد المآخذ التي لا تُنسى عليها.

* أما عن الكتابة عبر صفحاتها فقد كان حُلمًا في ذلك الوقت لكل شاب، وكم حدث وأرسلت مقالاتٍ لكي تُنشر بصفحة القراء الشهيرة "أصدقاء الحرف" والتي خرجت صحفيين معروفين بالساحة الإعلامية، هذا بخلاف كتابٍ مميزين أختفوا حاليًا وكانوا يكتبون فيها مثل: منصور حماد الشمري وغيره؛ كما تعلمنا من "الرياضية" وفي مرحلة عمرية مبكرة كيف نستطيع كتابة المانشيتات الرياضية الملفتة حتى وإن لم نعمل بالصحف أو نتخصص بالإعلام، ولا زلت أذكر أني أرسلت مقالًا للصفحة المذكورة بعد فوز الهلال على النصر 3/2 في مباراة بالدوري من عام 1996، وفي أجواءٍ كانت ماطرة وبشهر رمضان المبارك، وقد كتبت فيه المانشيت التالي: "ثلاثية المطر على السطر.. ولا زلتم في خطر .. لأن الجايات أقوى وأمر"!، وقد يكون أطول مانشيت في تاريخ الصحافة الرياضية!

* أختم بأطرف المواقف مع "الرياضية"، فقد حدث أن نقلت اشتراكي الخاص بالصحيفة في إحدى الاجازات الصيفية من الدمام لقريتنا الواقعة بمحافظة النماص، وجاءت سيارة التوزيع التابعة للشركة السعودية للأبحاث والنشر بألوانها المُلفتة وتفاجأ من ذلك أحد الجيران فاتصل بنا مباشرةً ليسأل:

سلمات .. عسى ما عندكم أحد مريض؟!

وحين أجبنا بالنفي بادر المتصل قائلًا:

طيب وش سالفة سيارة الإسعاف اللي تجيكم كل يوم؟!

طبعًا سيارة الإسعاف المقصودة هي سيارة توزيع "الرياضية"، والتي كانت مطلية باللون الوردي!