ساحة حرب مفتوحة.. هذا هو حال قطاع غزة بعد حوالى عشرة أشهر من الحرب الإسرائيلية الغاشمة عليه، والتي لم تهدأ حتى الآن. فبين جثث الضحايا وركام الحرب، تتعمق أوجاع الفلسطينيين يومياً.

واقعياً، حولت إسرائيل القطاع إلى قنبلة موقوتة، والقطاع الصحي فيه يحتضر، حيث خرجت أكثر من 22 مستشفى عن الخدمة بعد أن كانت تقدم خدمات محدودة في ظروف سيئة للغاية، لكنها كانت قادرة على إنقاذ روح أو تضميد جراح أم أو طفل أو حتى شيخ. وبعد خروجها عن الخدمة، حولتها إسرائيل إلى قواعد لجيشها، كما هو الحال في مستشفى السرطان التي أصبحت قاعدة لجنود الاحتلال. وهذه ليست إلا حلقة جديدة في مسلسل استهداف مستشفيات غزة سواء بالقصف والتدمير، أو بقتل كل من فيها.

أيضاً، تحولت مستشفى العودة إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية بعد أن احتجزت إسرائيل العشرات من كوادرها الطبية بداخلها، هذا إضافة إلى ما ارتكبه جنود الاحتلال من مجزرة بمستشفى كمال عدوان شمالي القطاع، وغيرها كالمستشفى الأهلي والشفاء والكويتي، حتى باتت أكثر من 22 مستشفى خارج الخدمة، إضافة إلى 138 مؤسسة صحية أخرى، بفعل القصف والحصار الإسرائيلي ونقص الوقود والعاملين، في وقت تواجه فيه المستشفيات ضغوطاً متصاعدة وخانقة.

وما زالت بعض مستشفيات القطاع مثل المستشفى المعمداني والأندونيسي ومجمع الشفاء الطبي، ومستشفى ناصر، ومستشفى كمال عدوان، ومستشفى الصحابة، ومستشفى العودة، ومستشفى القدس، ومستشفى الأمل شاهدة على جرائم الاحتلال. أما مستشفيات الإيواء الموجودة الآن فتعاني نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية والوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، بالإضافة إلى الضغط الكبير على الطواقم الطبية نتيجة ارتفاع عدد الإصابات منذ بدء القصف على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

إن حصيلة الحرب على غزة، التي سجلت منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى الآن، بواقع 38 ألفا و713 شهيداً، بجانب 89 ألفا و166 جريحاً، كانت كاشفة عن الوضع الصحي الكارثي في القطاع والذي يمكن وصفه بأنه مات سريرياً على يد إسرائيل.

إقرأ أيضاً: رفح.. هل ستكون محطة إسرائيل الأخيرة؟

حقاً، الوضع محزن وكارثي، فقد تحولت غزة إلى أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطفال. فمتى تستجيب إسرائيل لوقف استهداف المستشفيات؟ ومن يمكنه توفير الحماية للمستشفيات والقطاع الصحي في غزة بعد فشل المنظمات الدولية في توفير تلك الحماية؟ ولماذا لا تطبق اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب في مادتها الثامنة عشرة التي تنص على أنه "لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات"؟!

يبدو أن سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه المستشفيات والمراكز الصحية في غزة واضحة منذ بداية الحرب، فقد أبادتها ورقصت على ركامها ثم حولتها إلى نقاط عسكرية لجنودها، وكأنها تخرج لسانها لحركة "حماس" التي كانت قد تستعمل أنفاق المستشفيات لصالحها، الأمر الذي دفع تل أبيب لقصفها دون رحمة على رؤوس المصابين والمرضى، وقتل كل من فيها، ثم السيطرة عليها حتى وإن كانت ركاماً!

إقرأ أيضاً: الأمراض والأوبئة تجتاح غزة بصمت

يعلم الجميع مدى خطورة استهداف المستشفيات وفي نفس الوقت خطورة استعمال حماس للأنفاق داخلها، الأمر الذي يضع المدنيين وخاصة المرضى بين مطرقة إسرائيل وسندان حماس، خاصة وأن حركة المقاومة أثبتت أنها تخاطر بحياة الأهالي لأنها مدركة تماماً أن الاحتلال ليس لديه خطوط حمراء في استهداف المستشفيات أو المدنيين.

ربما تحتاج غزة في الفترة المقبلة إلى تكثيف المستشفيات الميدانية في المناطق المصنفة كمناطق لجوء، بحيث تكون تلك المستشفيات تحت وصاية أممية أو وصاية الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وهذا من أجل تفادي استغلال "حماس" لها، والتي يتحجج بها الاحتلال دائماً. ولكن في حالة حدوث هذا، هل ترفع إسرائيل يدها عن مستشفيات غزة؟