تواجه إيران في ظل رئاسة مسعود بزشكيان تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. رغم آمال البعض في أن يسهم ما يسمى بالتيار الإصلاحي في تحسين الأوضاع، إلا أن هناك شكوكًا كبيرة حول قدرته على إحداث تغيير جوهري في السياسات الإيرانية. تظهر هذه التحديات والشكوك جلية في ظل ضعف النظام الإيراني وخوفه المستمر من الانتفاضات الشعبية.

الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران كانت بمثابة مؤشر واضح على انعدام الثقة العميق بين الشعب والنظام. فالنسبة المتدنية للمشاركة، التي أعلن النظام نفسه أنها أقل من 40 بالمئة، تعكس حجم المقاطعة الواسعة من قبل الإيرانيين. ويرى المراقبون أن النسبة الحقيقية للمشاركة قد تكون أقل بكثير، حيث تشير تقديرات بعض الجهات المعارضة إلى أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 9 بالمئة. هذه المقاطعة الكبيرة تعكس رفضًا شاملًا للنظام بكل تياراته، سواء كانت إصلاحية أو أصولية.

هذا الانعدام الكبير للثقة يشكل تحديًا أساسيًا للنظام الإصلاحي الجديد، الذي يبدو عاجزًا عن إقناع الشعب، بقدرته على تحقيق تغييرات حقيقية. فالسلطة الحقيقية تظل مركزة بيد المرشد الأعلى والمؤسسات المرتبطة به، مما يجعل أي إصلاحات جوهرية أمرًا بعيد المنال.

الاقتصاد الإيراني المتهالك يعد من أبرز التحديات التي تواجه النظام الحالي. ورغم جهود ما يسمى بالحركة الإصلاحية لتقديم سياسات اقتصادية أكثر انفتاحا والسعي لتخفيف العقوبات الدولية عبر تحسين العلاقات مع الغرب، إلا أن الفساد المستشري والمؤسسات المرتبطة بالمرشد الأعلى تعيق أي جهود إصلاحية حقيقية. وتبقى القطاعات الاقتصادية الرئيسية تحت سيطرة الحرس الثوري والمؤسسات المرتبطة بالمرشد، مما يجعل من الصعب تنفيذ أي إصلاحات فعالة.

في ظل هذه الظروف أعتقد أن الاحتجاجات الشعبية في إيران، التي خفتت مؤخرًا، قد تعود إلى السطح في أي وقت نظرًا للأسباب الجذرية التي تسببت فيها مثل القمع والفساد وسوء الإدارة والفقر والبطالة. وقد تنخفض رئاسة مسعود بزشكيان من حدة الاحتجاجات بشكل مؤقت من خلال تقديم وعود بالإصلاح، لكن الشعب الإيراني يبقى غير مقتنع بإمكانية تحقيق هذه الوعود في ظل هيمنة المرشد الأعلى على مفاصل السلطة.

الاحتجاجات السابقة رفعت شعارات ترفض النظام بالكامل، ويدل هذا أن أي تغيير سطحي لن يكون كافيًا لإرضاء الشعب. الخوف من تجدد الانتفاضة يظل هاجسًا كبيرًا للنظام، حيث أثبتت التجارب السابقة أن الشعب الإيراني لا يتردد في النزول إلى الشوارع للمطالبة بحقوقه وحرياته الأساسية.

إقرأ أيضاً: صرخة برلين: كفى استرضاءً للنظام الإيراني

فيما يخص ملف الحجاب وحرية التعبير، قد يحاول التيار الإصلاحي تقديم بعض التنازلات لكسب دعم شعبي أكبر، لكن هذه التنازلات ستكون غالبًا سطحية وغير كافية. النظام الإيراني معروف بتقييده للحريات الأساسية واستمراره في قمع النساء والمعارضين. التغييرات الشكلية في هذا الملف لن تكون كافية لتغيير الصورة العامة للنظام أو لتهدئة الاحتجاجات بشكل دائم.

كما أنه مع تولي مسعود بزشكيان منصب الرئاسة، فإن سياسة اعتقال الناشطين والإعدامات لن تتغير بشكل جذري، لأن النظام يعتمد على القمع كأداة رئيسية لبقائه في السلطة، والأجهزة الأمنية التي تتبع للمرشد الأعلى تظل لها اليد الطولى في هذه السياسات. هذا الوضع يشكل عائقًا أمام أي محاولات للإصلاح أو تحسين صورة النظام على الساحة الدولية.

إقرأ أيضاً: خامنئي والخلفاء العباسيون

فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، لا يتوقع حدوث تغييرات كبيرة مع وصول التيار الإصلاحي إلى السلطة. العلاقات مع روسيا، والملف النووي، والعقوبات، ودعم الميليشيات في المنطقة، كلها ملفات تظل تحت سيطرة المرشد الأعلى وتوجيهاته. التيار الإصلاحي قد يسعى لتحسين العلاقات مع الغرب لتخفيف العقوبات، لكن الثقة الدولية بالنظام الإيراني تبقى ضعيفة، والتغييرات في هذه الملفات ستكون محدودة بسبب الهيمنة المستمرة للمرشد الأعلى والمؤسسات المرتبطة به.

ختاماً... النظام الإيراني، رغم محاولاته لإظهار وجه إصلاحي، يظل يعاني من ضعف هيكلي وخوف مستمر من الانتفاضة الشعبية. التحديات الداخلية الكبيرة مثل الفساد والاقتصاد المتردي والقمع المستمر للحريات، إلى جانب السياسات الخارجية الثابتة تحت سيطرة المرشد الأعلى، تجعل من الصعب تحقيق تغييرات جوهرية. هذا الوضع يعزز من احتمالية تجدد الاحتجاجات الشعبية، ويضع النظام أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على استقراره وبقائه.