ستعقد المظاهرة يوم 29 حزيران (يونيو) في برلين، ومن المتوقع أن يشارك فيها عشرات الآلاف من الإيرانيين المقيمين في أوروبا، بالإضافة إلى نشطاء ومؤيدي المعارضة الإيرانية من مختلف بلدان العالم. في هذه المظاهرة، يعتزم المشاركون إرسال رسالة قوية إلى المجتمع الدولي، تدعو للوقوف إلى جانب نضال الشعب الإيراني وانتفاضته ضد النظام القمعي. تؤكد هذه المظاهرة على رفض سياسة الاسترضاء المتبعة مع النظام الإيراني، والدعوة إلى تبني موقف حازم يساهم في تحقيق الحرية والعدالة في إيران.

راهنت الدول الغربية عموما ودول الاتحاد الاوربي بشکل خاص على سياسة الاسترضاء والتي سعت من خلالها الترکيز على دعم ما يسمى بجناح الاعتدال المزعوم في النظام الايراني وذلك في سبيل تقويته وجعله يفرض جملة تغييرات تخفف من غلواء التطرف والتشدد السائد في النظام، والملفت للنظر إن هذا الرهان وقف خلفه کتاب ومحللون بارزون الى جانب شخصيات وأوساط سياسية غربية، خصوصا وإنهم کانوا يعتقدون بأن الظروف والاوضاع المتداعية عن سياسة فرض العقوبات على النظام سوف تتيح في النتيجة لمنح الغلبة والقيمومة لدعاة الاصلاح المزعوم، لکن کل هٶلاء تناسوا بأن جناح الاعتدال المزعوم لم يکن يسير وفق السياق والطريق الذي يريده ويسعى إليه هٶلاء، بل إنه أساسا جزء أساسي من النظام ويعمل له بما يضمن درء التهديدات المحدقة به والاهم من ذلك، إنه وخلال الفترات التي هيمن فيها دعاة الاعتدال المزعوم على السلطة التنفيذية، فإنهم عملوا کل مابوسعهم من أجل الالتفاف على العقوبات وخرقها ناهيك عن إن أکثر السياسات مشبوهية قد تم الاعداد لها خلال هذه الفترات!

الاعتدال المزعوم في النظام الايراني، والذي تسنى له أن يمسك بالسلطة التنفيذية لأربعة دورات رئاسية، لکنه لم يحقق ولو شروى نقير من الافکار والمبادئ التي کان يدعو لها بل وحتى إنه وخلال هذه الدورات قد أصاب الظلم والحيف والاضطهاد الشعب الايراني أکثر من العقود الاخرى وحتى إننا إذا ما لاحظنا فإن الانتفاضات الشعبية ذات الطابع السياسي قد بدأت تندلع خلال عهد تولي دعاة الاعتدال السلطة کما حدث مع إنتفاضتي 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017، و15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ولأن خامنئي شعر بالخوف من هذا التطور ولذلك فإنه وعندما وجد بأن دعاة الاعتدال قد أصبحت جعبتهم خاوية والاهم من ذلك صار أمرهم مفضوحا أمام الشعب الايراني، فإنه قام ليس بإبعاد وإقصاء هذا الجناح وإنما شرع في سياسة قام على أساسها بإبعاد عناصر من داخل تياره المغالي في تشدده وقلص النظام وجعله ينکمش على نفسه أکثر من أي وقت مضى، وهذا ما کان يمکن إعتباره بمثابة رسالة أکثر من واضحة للمراهنين الغربيين على خيول الاعتدال والتأکيد على إن سياسة الاسترضاء مثل الطريق ذو الاتجاه الواحد لصالح النظام!

إقرأ أيضاً: الانتخابات الرئاسية والرد الحاسم عليها في برلين

ابراهيم رئيسي، الذي کان واضحا بأن خامنئي قد راهن عليه لتصحيح مسار الاحداث والتطورات لصالح النظام والحد من تزايد مشاعر الرفض والکراهية الشعبية للنظام والرغبة بزواله، کانت انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، أکبر إثبات على فشل رهان خامنئي بهذا الصدد، کما إن مصرعه قد جاء کإعلان على إستحالة تمکن خامنئي من إعادة عجلات الزمن الى الوراء وإسترجاع قوة النظام السابقة وعافيته، وإن ملاحظة ما جرى ويجري بعد الانتفاضة الاخيرة يدل على الاوضاع والامور في إيران تسير بإتجاه يختلف کل الاختلاف عن الفترات والمراحل السابقة، لکن المثير للسخرية والتهکم، إن سياسة الاسترضاء حتى بعد إبعاد وإقصاء الجناح المراهن عليه من قبل الغرب، فقد بقيت مستمرة حتى الان، وإذا ما کنا نعرف بأن هذه السياسة قد خدمت النظام حتى في تلك الفترات التي کان دعاة الاعتدال المزعوم على رأس السلطة التنفيذية، فکيف يمکن أن تکون أو تصبح الان ولاسيما عندما قام خامنئي بحرق غطاء الاعتدال ورميه الى المزبلة؟!

بطبيعة الحال، سيقول الشعب الإيراني داخل البلاد كلمته الأخيرة بخصوص هذا النظام برمته وبكل أجنحته من خلال مقاطعة الانتخابات الرئاسية. وستصرخ الجالية الإيرانية في برلين يوم 29 حزيران (يونيو): نعم للإطاحة بهذا النظام، لا لسياسة الاسترضاء، ولا لإثارة الحروب في المنطقة.