من أجل عراق مدني علماني ودولة مؤسسات فاعلة، ألا يدعو الوضع العراقي المعقد والمليء بالأزمات الخانقة على نحو عقدين من الزمن، ناهيك عن الدفع بالصراعات السياسية إلى ما لا نهاية، أن يكون حافزاً لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه شخصيات وقوى عراقية مختلفة الانتماءات، بمشاركة مثقفين وكتاب وصحفيين وممثلي منظمات حقوقية واجتماعية مستقلة، يتداولون الشأن العراقي العام للخروج من الأزمات المتفاقمة التي تعاني منها الدولة والمواطن. أيضًا معالجة الممارسات الخاطئة لمنظومة إدارة الدولة ومنها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحميل ما يسمى "الأغلبية الصامتة" مسؤولية ما آل إليه موقفها مما أرسى قواعد اللعبة بيد الأحزاب الطائفية والشوفينية للهيمنة على مؤسسات الدولة الثلاث والتحكم بالشأن السياسي والاقتصادي والأمني الذي يعاني منه المواطن والمجتمع.

ينبغي على هذا المؤتمر أن يخرج بلائحة مبادئ مشروع وطني لأجل التغيير والبناء والإصلاح، مستهدفاً بذلك توحيد كلمة القوى الوطنية العراقية الخيرة للعمل المشترك لإنقاذ العراق وشعبه من طغمة فاسدة لا تملك من الحس الوطني مقدار ذرة، سوى الدمار والخراب ونهب ثروات الشعب والوطن واللعب بمقدرات الدولة وأملاكها دون محاسبة قضائية.

إنَّ مشروعاً وطنياً من هذا النوع يجدر به أن يؤخذ على مأخذ الجد، ولم يعد بأي حال من الأحوال أمراً صعباً - كما يتصور البعض - بل إن كافة المنظمات والهيئات والمواثيق الدولية تؤكد دون استثناء على حق المواطنين في التعبير عن حرية الرأي والمطالبة بضمان حقوقهم القانونية والسياسية، كما يحق لهم تنظيم الإضرابات السياسية والنقابية لمواجهة الأوضاع المزرية التي تستهدف المصالح العامة للأمة. أيضًا، للمواطنين أن يقفوا بحزم بوجه أي نظام لا يحترم حقوق شعبه، ووضع حد له وإزالة آثاره.

إنَّ ما يجري من تجاوزات منافية للأعراف والقوانين، كملاحقة أصحاب العلم والرأي والقلم، جعلت من العراق بلداً تسوده الفوضى وتتخندق فيه الطائفية، حيث يسرق المال العام ويوزع بين أصحاب الامتيازات، كما تنتعش أساليب الخطف والابتزاز المنظم إلى جانب القمع والتهديد السياسي، ولا يسأل الشعب عن رأيه في القضايا المصيرية.. أليس ذلك أمراً عجيباً! إنما العجب ألا تجد الأطراف على رأس السلطة ومؤسسات الدولة من أمر يجعل المواطن يشعر بالاطمئنان على حياته ومستقبله وحق المواطنة، كما يشعر بالاقتراب من نهاية النفق وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية، وإحلال مكانه دولة المواطنة والمؤسسات.

إقرأ أيضاً: من أجل التغيير ومحاربة الفساد

وعلى ما يبدو أن الوضع السياسي في إطاره العام في العراق يزداد سوءاً وتعقيداً، وليس لدى القوى والأحزاب المشاركة في السلطة منذ تعيينها على يد الإدارة الأميركية، أي تصور لمستقبل العراق، بيد أنها تعلمت على طريقة إنسان "الجوردنتال" كيف تنهش الجسد العراقي لتحقيق مآربها المادية والسلطوية غير مكترثة بمصير الأمة والدولة.

إنَّ شعارات جميع الأحزاب داخل السلطة وخارجها أثبتت فشلها بالمطلق، وليس هنالك من سبيل يغنينا شر المحنة لأكثر من عقدين سوى البحث عن مخرجات لها محتوى وامتداد جمعي. فالنظام الذي يضيق الخناق على شعبه ما زال يعتقد بأحقية الحكم دون منازع، وأحزاب خارج السلطة أخفقت حتى الساعة في تحقيق واحدة من شعاراتها بالقدر الذي أثبتت عجزها في صناعة المبادرة لتحمل المسؤولية.

إقرأ أيضاً: العراق وأميركا.. الثابت والمتغير في سياسة المصالح!

القاموس الفلسفي يؤكد: ليس المهم بأي وسيلة تعالج المريض، المهم كيف تشفيه! فهل تدرك "الأغلبية الصامتة" العراقية، التي لا تزال غير معنية بالمشاركة السياسية، ولا تزال تتخندق خلف قضبان الحياد وتتفرج باستهتار، مدى خطورة التنصل عن مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية؟ إن عليها واجب المساهمة في حفظ سلامة المجتمع وضمان سيادة العراق واستقلاله، ووضع حد لنظام حكم طائفي يقوم على المحاصصة التوافقية وتوزيع الغنائم وتشجيع المليشيات ونشر الفساد. لننتظر حتى يذوب الجليد، عندئذ لن يبقَ مفر من الانزلاق نحو نهاية اللاعودة دون إدراك مدى قيمة الجواب على السؤال: ما العمل؟ مبكراً.